الحملات التركية لإغاثة الشعب اليمني الدوافع والنتائج

مقدمة:
أطلقت مؤسسات الإغاثة التركية في الفترة الأخيرة عدد من الحملات الإنسانية لحث الشعب التركي على التبرع لصالح شقيقه اليمني الذي يعاني من أزمة إنسانية ومعيشية طاحنة نتيجة الحرب الدائرة منذ أربع سنوات، فقد أطلقت رئاسة الشؤون الدينية، ووقف الديانة التركي، حملة  تبرعات تحمل اسم "لا تبقى صامتاً حيال اليمن" واطلقت هيئة الإغاثة التركية (HHI)، الجمعة الموافق ، حملة مساعدات لإغاثة الشعب اليمني، تحت شعار "اليمن ينتظر المساعدة".

وحث بيان صادر عن رئاسة الشؤون الدينية، "المواطنين في تركيا إلى دعم حملتها الحالية، عبر إرسال رسالة نصية إلى الرقم 3072 للهواتف الجوالة، والتبرع بـ (5 ليرة تركية( ( أي ما يقار بقرابة واحد دولار )، أو التبرع لأرصدة الهيئة في مختلف المصارف".

وقد حظيت الحملة الأخيرة باهتمام كبير من قبل الكثير من الشخصيات العامة والشعب التركي على السواء، فقد تصدر، يوم الاثنين الموافق 20 نوفمبر، هاشتاق على الترند التركي بعنوان (YemenÖlmesin#) وتعني بالتركية "كي لا تموت اليمن"، شارك فيها العديد من السياسيين والصحفيين والناشطين والفنانين الأتراك، وذكر مركز يني يمن المعني بنقل أخبار اليمن للشعب التركي إلى أن موطناً تركيا في مدينة قيصري رفض ذكر إسمه تبرع بسيارته لصالح الشعب اليمني وتيشر بعص الأرقام إلى أنه استفاد من هذه الحملة ما يقارب 200  الف مواطن يمني خلال العام 2018.[i]

وحازت الحملة على دعم رسمي كذلك، فقد دعا المتحدث باسم الرئاسة التركية "إبراهيم قالن"، المواطنين الأتراك إلى تقديم الدعم للحملة، وكتب في تغريدة له على حسابه على تويتر، "لا تبقى صامتا حيال صرخة اليمن الذي يواجه أكبر أزمة مجاعة في العالم"[ii].

ولقيت الحملة صدى واسعا في الجوامع حيث امتد نطاق نشاطها إلى (90) ألف مسجد تركي، وكان لها حضورا كثيفا في الأماكن العامة من خلال الملصقات التي انتشرت في الشوارع العامة على إمتداد المدن التركية، ورافقها تغطية إعلامية واسعة، وهو ما يؤشر إلى أن القضية الإنسانية في اليمن باتت تأخذ مساحة واسعة في الإعلام التركي وجدول الأعمال السياسي والاجتماعي في تركيا.

جهود سابقة:
تمثل حملات الاغاثة الأخيرة حلقة في سلسلة من الجهود والأنشطة التي تقوم بها الحكومة والمؤسسات التركية منذ اندلاع الحرب في اليمن، في ديسمبر/كانون الأول 2015، أطلق الهلال الأحمر التركي حملة حملت اسم "اليمن بحاجة إلى الأمل"، واستمر في اطلاق حملات ومبادرات أخرى، .. واطلقت الوكالة التركية للتعاون والتنسيق "تيكا"، حملة مشروع نظافة مدن محافظة عدن، جنوبي اليمن. إلى جانب تسييرها لعدد من القوافل الغذائية والصحية، وكان وزير الخارجية قد أشار إلى أن الحكومة التركية قد "أرسلت مشفيين ميدانيين إلى اليمن..، ويتعين علينا مواصلة إرسال مئات الأطنان من المساعدات الغذائية والأدوية إلى اليمن". وفي 30 ديسمبر/ كانون الأول 2016 استقبلت مدينة افيون التركية ما يقارب 150 جريحاً من مدينة تعز اليمنية، وهذا يعزز صورة تركيا الانسانية التي رسمتها للعالم في موقفها من الشعب السوري.

وفي 6 ديسمبر كانون أول نشرت هيئة الإغاثة التركية بيانا اشارت فيه إلى أنها وزعت 2600 طرد غذائي على الأسر الفقيرة في اليمن، وذلك في إطار الحملة "اليمن تنتظر المساعدات".

وأضاف البيان، أن مساعدات الهيئة تتواصل إلى اليمن بكل سرعة، ودون توقف، ووصلت إلى مدن صنعاء، وعدن، والحديدة، وصعدة، وعمران، وحث الشعب التركي على الاستمرار في حملات التبرع لصالح اليمن[iii].

الدوافع:
جاءت حملات الاغاثة الأخيرة نتيجة التطورات الإنسانية المأساوية الناتجة عن الحرب في اليمن من جهة، وتوجهات السياسة الخارجية التركية وادوات تنفيذها من جهة ثانية، وبالموقف التركي من تطورات الحرب في اليمن من جهة ثالثة.

فالأدوات الإنسانية والاقتصادية والثقافية وكل ما يندرج في اطار السياسة الناعمة التي غدت أكثر حضورا في تعامل تركيا مع الشعوب والدول التي تجمعها بها واحدة أو أكثر من دوائر الانتماء، ومنها بطبيعة الحال المنطقة العربية ومن ضمنها اليمن.

كما أن الحرب في اليمن خلفت أوضاعًا إنسانية كارثية، جعلت معظم السكان بحاجة إلى مساعدات،  وساهم الحصار الذي تفرضه قوات التحالف العربي على الموانئ والمطارات اليمنية وانقطاع دفع الرواتب لموظفي الدولة لمدة تزيد على ثلاث سنوات في تفاقم الأزمة الإنسانية بشكل خطير، وانتجت الحرب أوضاعا إنسانية وصحية، تفشت معها الأوبئة وتعثر العملية التعليمية.

ومعه تعالت أصوات المنظمات الدولية للتعامل مع الأزمة اليمنية والتي وصفتها بأنه "الأسوأ في العالم"، وحذرت من خطر حدوث مجاعة كبرى وشيكة في اليمن، لم يشهد مثيلها من قبل، .. ووصف الأمين العام للأمم المتحدة "الوضع في اليمن بأنه أسوأ أزمة إنسانية في العالم ... وأن اليمن بات يقف على شفا الهاوية.[iv]"

ومن ناحية ثالثة، جاءت هذه الحملات متسقة مع الموقف التركي من تطورات الحرب في اليمن، فتركيا ومع أنها كانت من الدول الداعمة للتدخل العربي لإستعادة الشرعية التي إنقلبت عليها جماعة الحوثي لكن الموقف التركي بداء يتغير نتيجة انحراف الحرب في اليمن إذ لم يسمح للسلطة الشرعية لممارسة عملها من الداخل اليمني، واستمرار الحصار والضربات العسكرية الخاطئة التي أودت بحياة الكثير من اليمنين.

وقد أشار إليه وزير الخارجية التركي في كلمة له أمام البرلمان بتاريخ 15 نوفمبر 2018م بالقول أن "تركيا لا ترى في الوقت الحالي أن سياسات السعودية، والإمارات لمحاصرة الجميع في اليمن صحيحة" "فالكثير من الناس يموتون من الجوع والأمراض، ونحن لا نبقى صامتين حيال ذلك" ومما لا شك فيه فإن الفتور الحالي في العلاقات السياسية بين أنقرة والرياض على خلفية مقتل خاشقجي سينعكس على السياسة التركية في اليمن.

النتائج الفعلية لهذه الحملة.
 من المتوقع أن تجلب الحملة الأخيرة التي اطلقتها رئاسة الشؤون الدينية، ووقف الديانة التركي الكثير من النتائج الايجابية فقد لفتت اهتمام الكثير من المواطنين الأتراك إلى المأساة التي يعيشها الشعب اليمني، وعززت من الصورة النمطية الايجابية للحكومة والشعب التركي لدى قطاع كبير من اليمنيين، كما أنها بلا شك ستُراكم انطباع عام ايجابي لدى غالبية الشعوب الإسلامية عن تركيا ودورها القيادي، ويعزز من دورها التاريخي في نصرة المظلومين، وهو ما أشار إلية المتحدث باسم الرئاسة التركية "إبراهيم قالن"، بقوله أن "الشعب التركي في الأناضول سيُظهر للعالم مرة أخرى أنه يقف إلى جانب المتضررين، والمحتاجين، وسيقدم يد العون دون النظر يمينا وشمالا".

وعلى الأرجح أن تكون ثمارها ونتائجها المادية أقل قليلا من مردوداتها النفسية والاجتماعية والسياسية، إذ لا يتوقع أن ترفد جهود الاغاثة بمبالغ مالية كبيرة يتبرع بها أفراد الشعب التركي، فهذا الشعب وبالرغم مما يتسم به من كرم كبير إلا أن قطاع منه لا يمتلك فائض مال كبير، وأكثر من ذلك فإن مشاركتهم المستمرة في إغاثة الشعوب التي تعاني من حروب ومجاعات – وهي دول كثيرة في هذه المرحلة – استنزف الكثير من امكانياتهم المادية، ويتمد نشاط الأوقاف التركية على رقعة واسعة من العالم بداية من منطقة القوقاز وحتى أفريقيا والشرق الأوسط، وقد حصلت تركيا وفق تقارير دولية على أكثر دول العالم إنفاقاً على الأعمال الإنسانية مقارنة بدخل الفرد.

وإلى جانب ذلك تواجه مؤسسات الإغاثة التركية الكثير من القيود في حركتها داخل اليمن، فجماعة الحوثيين لا تسمح لها بالنشاط في المناطق التي تقع تحت سيطرتها.

وتحضر ذات القيود – للأسف الشديد – فيما يُسمى المناطق المحررة، فهذه الأخير وإن كانت خارج سيطرت الحوثيين إلا أن الكثير منها انتقل إلى سيطرة كاملة لدولة الإمارات، .. ومعلوم أن الإمارات تحارب النفوذ التركي في المنطقة بشكل عام، ولا تسمح به حتى وإن كان لدواعي إنسانية محضة. 
 

الخلاصة
ما يميز العمل الإنساني التركي أنه ليس بالضرورة محصور بالتوجه الرسمي وبأدوات الدولة غير أنه يتم عادة من خلال أوقاف ومنظمات أهلية، ويترافق مع توعية إعلامية، وقد رافق الحملة الإنسانية لليمن حملة إعلامية وتوعوية واسعة وخصصت المساجد حديث على أهمية دعم المواطن التركي لأخوانه اليمنيين وهذا له إنعكاسات على الحالة النفسية والإجتماعية بين الشعوب ويجعل الشعوب حية تذكر بعضها، ومن المفيد لتركيا أن تلتصق سمعتها بالعمل الإنساني والتنموي والتعليمي والصحي في ذهنية الشعوب في حين التصقت سمعت بعض الدول بالسلاح والعنف والسجون وتهريب الأسلحة، غير أن هذه الحملات من قبل أوقاف ومنظمات متعددة يفترض أن توجد شكل معين لتنظيم العمل في الداخل اليمني خاصة وأن اليمن لايزال يعيش حالة من عدم الإستقرار.

 

[i] مواطن تركي يتبرّع بسيارته لإغاثة اليمن، مركز يني يمن، الرابط: http://cutt.us/Ka5T7

[ii] قالن يدعو الأتراك إلى المشاركة في حملة مساعدات لليمن، وكالة الأناضول الرابط : http://cutt.us/QQVf5

[iii] الملف الانساني التركي في اليمن، تركيا بوست: http://cutt.us/rSAKQ

[iv] تعرف على جهود الأمم المتحدة للتصدي للأزمة الإنسانية في اليمن، قناة بي بي سي عربي، الرابط: http://www.bbc.com/arabic/middleeast-46089605