حماس وفتح خلافات ووساطات لم تنجح بعد

رغم أن مفردات "المصالحة" و"الانقسام"، ظهرت عقب الاشتباكات المسلحة بين حركتي فتح وحماس في حزيران 2007م، إلا أن جذورها تعود إلى مطلع الثمانينات من القرن الماضي، وجرت أول اشتباكات بين حركة فتح وحركة حماس في بداية عام 1985م بغزة، لكنها كانت محدودة.

اتسع الخلاف بين الجانبين بعد ذلك وخاصة مع ازدياد شعبية حركة حماس التي رفعت شعارات إسلامية، فرفضت حماس العمل ضمن قيادة موحدة تضم حركة فتح وبقية فصائل المنظمة.

واشتدت الخلافات عقب تبني حركة فتح للحل السلمي للقضية الفلسطينية، ومشاركة منظمة التحرير الفلسطينية في مؤتمر مدريد للسلام في تشرين الثاني 1991م، حيث نص الاتفاق في بنوده على "نبذ منظمة التحرير الفلسطينية المقاومة المسلحة، ومنع أي مقاومة ضد اسرائيل،  وأن تنتهج مبدأ المفاوضات والتسوية السلمية.

وبما أن حماس ليست عضو في منظمة التحرير الفلسطينية وجدت نفسها في مواجهة منظمة التحرير، وهكذا بدأ الخلاف يخرج من الايدولوجيات إلى الواقع والأرض، فأصرت حماس على رفض الاتفاقية والمفاوضات.

زاد الخلاف بعد تنفيذ السلطة حملات اعتقالات واسعة خلال الفترة ما بين (1996-2000) تركزت على قيادات حركة حماس وعناصرها، وعناصر حركة الجهاد الإسلامي الذين خرقوا الاتفاقيات الموقعة مع إسرائيل، مما أعطى إسرائيل حجة لمهاجمة الفلسطينين.

وعقب تولي الرئيس الفلسطيني محمود عباس، رئاسة السلطة في كانون الثاني 2005م، فتح حواراً موسعاً مع قادة حركة حماس، وحثهم فيه على المشاركة في الانتخابات التشريعية الفلسطينية، وإعلان هدنة مع إسرائيل.

فدخلت الحركتين في حوار، وانتهى بتوقيع اتفاق القاهرة في آذار 2005م، ونص الاتفاق على "تطوير وتفعيل منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني"، بحيث "تضم جميع القوى والفصائل، والحفاظ على المنظمة إطاراً وطنياً جامعاً ومرجعية سياسية عليا للفلسطينيين، وانتخاب مجلس وطني جديد".

جرت الانتخابات البرلمانية الفلسطينية الثانية سنة 2006م، وشاركت حركة حماس بها للمرة الأولى، وفازت بأغلبية مقاعد البرلمان حيث حصلت على 76 مقعداً من أصل 132 مقعد.

رفضت الفصائل الفلسطينية المشاركة في حكومة حماس، بدعوى عدم الاتفاق على البرنامج السياسي، فشكلت حركة حماس حكومتها برئاسة إسماعيل هنية الذي سلم قائمة بأعضاء حكومته إلى الرئيس محمود عباس، لكن رفض عناصر الأجهزة التابعة للسلطة في غزة أداء مهامهم، لذلك قام وزير الداخلية في الحكومة التي شكلتها حماس سعيد صيام بتشكيل ماعُرف بـ" القوة التنفيذية"، مما أدى إلى تعدد الأجهزة الأمنية الفلسطينية.

لذلك قوبلت حماس بحصار إسرائيلي، وبمحاولات داخلية للإطاحة بها من خلال سحب كثير من صلاحياتها، وإحداث القلاقل الداخلية طوال 2006م، ورفض دولي حيث رفضتها إسرائيل والولايات المتحدة.

رد الرئيس الفلسطيني محمود عباس الذي تعرض لضغوط شديدة بإصدار ثلاث مراسيم، أقال بموجبها رئيس الحكومة التي شكلتها حماس إسماعيل هنية وحكومته، وإعلان الطوارئ، وتشكيل حكومة تطبق حالة الطوارئ وتسير الأعمال برئاسة سلام فياض، مما زاد الأمور تعقيداً أكثر، حيث رفضت حركة حماس تنفيذ المراسيم، حيث اعتبرت أنها حكومة شرعية جاءت عبر الانتخابات، وبدأ الاقتتال الداخلي، وكانت نتيجته سيطرة حركة حماس على مقرات السلطة والدوائر الحكومية والمعابر في غزة، وبقيت حكومة حماس تدير الأمور بقطاع غزة، بينما شكلت السلطة الفلسطينية حكومة برئاسة سلام فياض أدارت الوضع في الضفة الغربية، وصار هناك حكومتين أحدهما في غزة تترأسها حركة حماس، والأخرى في الضفة الغربية تترأسها حركة فتح.

بعد ذلك بدأت جهود المصالحة مع وثيقة الأسرى حيث وقعتها خمس فصائل فلسطينية في أيار 2006م، تهدف لتوحيد الفصائل، وتشكيل حكومة وحدة.

وعلى الرغم من ذلك ظل الانقسام قائماً، ولم تتوقف الاشتباكات المسلحة، وفشلت وساطات عديدة بينها الوساطة القطرية في تشرين الأول 2006 في تهدئة الأوضاع، حيث وافقت عليها حركة فتح، وطالبت بأن توافق حركة حماس على ذلك، لكن حركة حماس رفضتها، وأدعت أن فيها اعترافاً بإسرائيل، وتخلّياً عن المقاومة المسلحة.

بعد ذلك عادت الصدامات بين حركتي وحماس، وحسب الإحصائيات فقد قُتل نتيجة الانفلات الأمني نحو 322 فلسطينياً منهم 236 في قطاع غزة و86 في الضفة الغربية.

لذلك دعا الرئيس محمود عباس في كانون الأول 2006م إلى عقد انتخابات لمجلس تشريعي فلسطيني جديد كحل للخروج من المأزق، لكن عدداً من قيادات الفصائل الفلسطينية في دمشق رفضت الدعوة، فانفجرت الأوضاع مرة أخرى، وتعرض وزير الداخلية سعيد صيام لمحاولة اغتيال فاشلة في 10 كانون الثاني 2006م.

فأطلق على إثرها الملك السعودي عبد الله بن عبد العزيز مبادرة دعا خلالها حركتي فتح وحماس إلى التحاور في رحاب الأراضي المقدسة، فتم التوقيع على اتفاقية وحدة وطنية جديدة بمكة المكرمة في 8 شباط 2007م، وافقت الأطراف الفلسطينية على وقف الاشتباكات في قطاع غزة، وتشكيل حكومة وحدة وطنية، فتشكلت الحكومة وترأسها إسماعيل هنية، وشاركت فيها حركة فتح حيث شغل القيادي فيها عزام الأحمد منصب نائب رئيس الحكومة، لكن الإتفاق لم يرى النور.

تجددت الاشتباكات بعد اتفاق مكة بأسابيع قليلة بين مسلحي فتح وحماس، وهو ما انتهى بسيطرة حماس على قطاع غزة، ليتحول الانقسام السياسي إلى انقسام جغرافي يوم 14 حزيران 2007م، حيث أعلن الرئيس الفلسطيني محمود عباس إقالة حكومة إسماعيل هنية، وكلف سلام فياض بتشكيل حكومة جديدة، واستمرت الأمور إلى يومنا هذا بحكومتين واحدة في الضفة وأخرى في قطاع غزة.

بعد ذلك نجحت الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة (28 كانون الأول 2008-21 كانون الثاني 2009)  في كسر جبل الجليد بين الحركتين حيث قبلتا العودة للحوار من جديد.

لعبت مصر دوراً في المصالحات الفلسطينية، فشجعت ودعمت لغة الحوار، فبدأت جولة جديدة من المحادثات في القاهرة سنة 2009، بوساطة مصرية، حيث أعدت القاهرة خلاصة أفكارها فيما باتت تعرف بـ"الورقة المصرية" وطرحتها في أيلول سنة  2009م.

فسارعت حركة فتح للتوقيع عليها، أما حركة حماس فقالت إنها بحاجة إلى وقت لدراستها، ثم طالبت بإدخال تعديلات عليها، لكن السلطات المصرية رفضت الطلب، وهو ما أدى إلى تجميد الأمور من جديد.

وعاد الحراك مجدداً إلى ملف المصالحة بعد لقاء جمع رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل ورئيس المخابرات المصرية عمر سليمان أواسط 2010، عقد على أثره لقاء بين حركتي فتح وحماس بدمشق في التاسع من تشرين الثاني 2010م.

تجددت المحادثات بعد ذلك فأعلن ممثلو الفصيلين اتفاقاً بوساطة مصرية في 27نيسان 2011م، تم توقيعه في مقر جامعة الدول العربية بالقاهرة،  لتشكيل حكومة مؤقتة مشتركة مع إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية، ونص على تشكيل حكومة انتقالية للتكنوقراط للتحضير للانتخابات التشريعية والرئاسية للسلطة الوطنية الفلسطينية في سنة واحدة، لكن العمل بالاتفاق توقف في حزيران 2011م بسبب الخلافات حول هوية رئيس الوزراء.

ثم وقّعت الحركتين في شباط 2012م اتفاقية مصالحة جديدة في الدوحة عرفت باسم "إعلان الدوحة"، ونص الإعلان أن يترأس الرئيس محمود عباس الحكومة الانتقالية المقبلة، والتي ستشكل من كفاءات ومهنيين ومستقلين لتولي المرحلة المقبلة، والإعداد للانتخابات التي تم الإعلان عن تأجيلها، ليتسنى التحضير اللازم لها، لكن الاتفاقية لم تجد طريقها للتطبيق فعلياً.

وقعت حماس وفتح اتفاقاً في القاهرة في آيار سنة 2012م، يقضي بإجراء الانتخابات، وتسجيل الناخبين، وتشكيل حكومة مؤقتة، وذلك استناداً لإعلان الدوحة، ونصّ على تفعيل منظمة التحرير وإجراء انتخابات رئاسية وتشريعية، والبدء بمشاورات تشكيل حكومة التوافق الوطني. 

إلا أن حماس أوقفت في تموز2012م عمل لجنة الانتخابات المركزية بعد السماح لها بالعمل بدعوى استمرار الاعتقالات السياسية، وقمع الحريات بالضفة الغربية، ما أدى لتعطل تنفيذ اتفاق المصالحة وعاد ملف "المصالحة" إلى الجمود مرة أخرى.

وعقب العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة (14-21 تشرين ثاني 2012م) حدث تقارب جديد بين الحركتين، وسمحت حركة حماس من جانبها بعودة عدة كوادر من حركة فتح لقطاع غزة، كانوا قد غادروه عقب سيطرة حماس عليه في عام 2007م.

وقعت فتح وحماس اتفاقاً جديداً للمصالحة في  نيسان 2014م، عُرف بـ"اتفاق الشاطئ"، ينص على تشكيل حكومة وحدة في غضون خمسة أسابيع، تليها الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في غضون 6 أشهر، فأدّت حكومة الوحدة التكنوقراطية الجديدة اليمين برئاسة رامي الحمد الله.

غير أن الوزراء الجدد لم يتسلموا مهامهم في قطاع غزة، جراء الخلافات السياسية بين الحركتين، واستمر تبادل التهم بين الجانبين.

فاتخذ الرئيس الفلسطيني محمود عباس، إجراءات بحق قطاع غزة، ومنها تخفيض رواتب الموظفين وإحالة بعضهم للتقاعد المبكر، وتخفيض إمدادات الكهرباء للقطاع.

بعد ذلك شنت إسرائيل في تموز 2014 حربها على قطاع غزة، فازدادت أهمية الوصول لمصالحة فلسطينية، وتعرض الرئيس محمود عباس لضغوط من قاعدته في فتح، ومن الولايات المتحدة التي حملت حماس مسؤولية الحرب، وهكذا استمرت التراشقات بين الحركتين.

ثم دعت مصر الأطراف الفلسطينية مجدداً للمفاوضات في أيلول 2017م، وتم الاتفاق على انهاء الانقسام بموجب اتفاق القاهرة سنة 2011م، وأعلنت حماس في أيلول 2017م حل اللجنة الإدارية التي شكّلتها في قطاع غزة، مؤكدة على موافقتها على إجراء انتخابات عامة، فدعت حركة حماس في بيان لها حكومة الوفاق للقدوم إلى قطاع غزة؛ لممارسة مهامها والقيام بواجباتها فوراً.

وترأس رامي الحمد الله يوم 3 تشرين الأول 2017م للمرة الأولى منذ ثلاث سنوات اجتماعاً لحكومته من داخل قطاع غزة، وحضر رئيس المخابرات المصري خالد فوزي والذي يمثل الوسيط المصري افتتاح الاجتماع الوزاري.

رحبت حركة حماس بزيارة الحمد الله حيث أكد اسماعيل هنية أن حركته لم تلجأ للمصالحة تحت أي ضغط بل من استشعارها للخطر على القضية الفلسطينية.

وبينما طالبت إسرائيل بالاعتراف بدولة إسرائيل ويهوديتها، وحل الجناح العسكري لحركة حماس، وقطع العلاقات مع إيران. رحبت الولايات المتحدة الأمريكية بالجهود المبذولة لإتاحة المجال أمام السلطة الفلسطينية لممارسة مسؤولياتها بالكامل في غزة.

مع تصاعد الخلافات مع حماس مجدداً طالب الرئيس الفلسطيني محمود عباس في  29 تشرين الثاني 2017 م وقف جميع التصريحات بشأن المصالحة، وأٌعلن أن القرار جاء من أجل المصلحة الوطنية الفلسطينية، والعلاقة مع مصر.

وكانت حدة الخلافات بين حركتي فتح وحماس تصاعدت بشأن ملف الموظفين في قطاع غزة، بما يهدد استمرار ملف المصالحة بينهما،  لكن الاتفاق تعثر منذ ذلك الحين سيما بعد تبادل اتهامات بين حماس والسلطة الوطنية الفلسطينية بالمسؤولية عن محاولة اغتيال تعرض لها رئيس حكومة الوفاق الوطني الفلسطيني رامي الحمدلله في آذار سنة 2018م.

ازدات أهمية المصالحة الفلسطينية في ظل الحديث عن ما يسمى بصفقة القرن، التي طرحها الرئيس الأمريكي ترامب لحل القضية الفلسطينية، والتي مازالت أغلب بنودها غامضة، وطُرحت أيضاً تسوية إقليمية قائمة سواء بحسب "الكونفدرالية بين الضفة والأردن، أو "إلحاق جزء من مساحة شمال سيناء بقطاع غزة لتدشين كيان فلسطيني.

لذلك عقد وفدان من حركتي فتح وحماس اجتماعات منفصلة في القاهرة مع مسؤولين بالمخابرات المصرية ركزت على مقترحات لتنفيذ اتفاق المصالحة المبرم بين الحركتين في القاهرة في تشرين أول 2017م .

وأهم البنود التي تتضمنها المبادرة المصرية الأخيرة إنهاء الإجراءات المتّخذة ضد غزة، وبدء مشاورات تشكيل حكومة وحدة وطنية ليتم تشكيل الحكومة خلال فترة أقصاها خمسة أسابيع.

مازالت تتبادل "حماس وفتح  الاتهامات بشأن المسؤولية عن تعثر إتمام المصالحة، ومازالت المفاوضات مستمرة والمصالحة مكانها.

  • معوقات المصالحة:
  1. المرجعية الايدولوجية، بسبب عدم وجود قواسم مشتركة بين الحركتين، وخاصة مسألة الاعتراف باسرائيل.
  2. المقاومة، التي تصر حركة حماس على التمسك بها، بينما ترى حركة فتح ضرورة توحيد القوى العسكرية في جيش واحد وشرطة واحدة.
  3. عدم وجود مؤسسات ممثلة للشعب الفلسطيني في الداخل والخارج يمكن الرجوع لها، وخاصة أن حماس والجهاد الإسلامي ليستا عضوين في منظمة التحرير الفلسطيني التي تحتكر قيادتها  فتح.
  4. اختلاف الأولويات، فهل هي تشكيل حكومة وحدة وطنية والانتخابات، أم إعادة هيكلة منظمة التحرير الفلسطينية، وإصلاح الأجهزة الأمنية، أو الجانب الاقتصادي وإعادة الاعمار وقضايا أخرى مختلف عليها بينهما.
  5. ملف الموظفين، وخاصة المستنكفين والذين أحلت حماس موظفين مكانهم.
  6. إعادة هيكلة الأجهزة الأمنية والتنسيق الأمني مع إسرائيل. وخاصة التدخل الإسرائيلي من خلال سيطرته على تحويل الأموال والصادرات والواردات وحركة الأفراد والقيادات داخل أراضي السلطة بموجب اتفاق أوسلو، فتسعى لعرقلة الأتفاق.
  7.  التدخل الأمريكي، وإنعكاس الصراعات التي تعيشها الدول العربية على المصالحة.

ولابد من تقديم تنازلات من الطرفين للوصول للمصالحة، ولابد من البحث عن القواسم المشتركة ومعالجة أوجه الاختلاف، ويتوجب على الفلسطينيين أن يدركوا حجم الخسارة التي ستصيب إسرائيل إذا نجح تطبيق الاتفاق، فخسائر إسرائيل من المصالحة هي في الواقع أرباح صافية للشعب الفلسطيني وقضيته.  إزاء كل ما تقدم، فإن الفلسطينيين مطالبون بالعمل بكل قوة على إنجاح اتفاق المصالحة بوصفه فرصة تاريخية لطي هذه الصفحة من تاريخ الشعب الفلسطيني.