اللجنة الدستورية السورية: المعوقات وفرص النجاح

تم الإعلان عن تشكيل اللجنة الدستورية السورية، في القمة التي تم عقدها في أنقرة بتاريخ 16 أيلول 2019، والتي ضمت رؤساء تركيا وروسيا وإيران. وتم الحديث عن ان هذه اللجنة ستبدأ عملها بأقرب وقت في جنيف. فماهي المعوقات التي ستواجه عمل هذه اللجنة الدستورية؟ وماهي فرص نجاحها؟

ظهرت فكرة تشكيل لجنة دستورية لإعداد دستور جديد لسوريا في مؤتمر سوتشي في كانون الثاني 2018، بالاتفاق بين الدول الضامنة الثلاث روسيا وتركيا وإيران، وانسجمت الفكرة مع الملفات الأربع المتفق عليها في مفاوضات جنيف حول الأزمة السورية، والتي بمجموعها شكلت رؤية للحل السياسي في سوريا، وهذه الملفات هي الدستور والانتخابات والحكم والإرهاب.

وتختص هذه اللجنة الدستورية بإعداد دستور جديد، أو تعديل الدستور الموجود، وكانت الأمم المتحدة قد وضعت ترتيباً خاصاً لهيكلية اللجنة، لتضمن موافقة النظام والمعارضة على ذلك، حيث تضمن الترتيب 150 عضواً، حصة النظام السوري منهم 50 عضواً، و50 آخرين تختارهم المعارضة السورية، و50 عضواً ستختارهم الأمم المتحدة من ممثلين عن منظمات المجتمع المدني، وتنبثق عنهم لجنة مصغرة من 45 عضواً.

وكان المبعوث الأممي السابق "ديمستورا" ومن بعده "غير بيدرسون" قد قاما بجولات مكوكية بين العواصم ذات العلاقة بالشأن السوري، للدفع باتجاه تشكيل اللجنة الدستورية، وواجه عملهما عدة معوقات، منها تأكيد المعارضة السورية على ضرورة الالتزام بتحقيق الحل السياسي بمرجعية بيان جنيف الرقم 1 لعام 2012، والقرارات الدولية ذات الصلة بسوريا، وخاصة القرار 2254 لعام 2015، الذي حدد جدول أعمال للعملية السياسية التفاوضية في سوريا، والخطوات التي تؤمن إجراءات الثقة المتبادلة، وضرورة الإفراج عن المعتقلين والمخطوفين، والعودة الآمنة والطوعية للمهجرين والنازحين، وهذا مارفضه النظام وروسيا.

وظهر خلاف أثناء تشكيل اللجنة الدستورية حول ست أشخاص، حيث أصرت المعارضة على تواجدهم ضمن قائمة الأمم المتحدة، بينما عارض النظام ذلك، ومن بين هؤلاء الستة شخصيات قانونية ودستورية كبيرة، خشي النظام من موقفهم، وتم تجاوز مشكلتهم حيث تم الاتفاق على أن النظام وروسيا سيقومون بتسمية شخصيتين، بينما يقوم بيدرسون بتسمية الأربعة الباقين. كذلك ظهر خلاف حول رئاسة اللجنة، ثم وافق النظام في النهاية بعد ضغوط روسية على مبدأ الرئاسة المشتركة لهذه اللجنة، والصلاحيات المتساوية بين الرئيسين.

وتسوق روسيا للجنة الدستورية بأنها الحل الوحيد للأزمة السورية، وتريد أن تكون اللجنة وفقاً لمرجعيات أستانا وسوتشي، لتضمن سيطرتها عليها، وتسحب البساط من مرجعيات جنيف، وتريد اختصار العملية السياسية بصياغة دستور جديد للبلاد وإجراء انتخابات، وبحث الفترة الانتقالية مع ضمان عدم قيام الأطراف الخارجية بمحاولة تغيير النظام بالقوة، وضمان وحدة الأراضي السورية، وانسحاب كل القوات الأجنبية منها- طبعاً روسيا تستثني نفسها وإيران من ذلك-، حيث تعتبر روسيا وإيران وجودهما قانوني في سوريا، وتقولان ان وجودهما في سوريا جاء بطلب من النظام. لكن الأمم المتحدة اشترطت اعتماد اللجنة الدستورية على مخرجات مفاوضات جنيف الممثلة بالبنود الـ 12، كذلك اشترطت أن يكون مؤتمر سوتشي لمرة واحدة حتى لايحل بديلاً عن مسار جنيف.

وعملت روسيا في الفترة الأخيرة على الإسراع بهذا المسار، والضغط على النظام لإلغاء شروطه التي وضعها، وجاء هذا التغيير في الموقف الروسي نتيجة ضغوط أمريكية وفرنسية بأنها ستبدأ مسار أخر مستقل بعيد عن مقررات مؤتمر سوتشي، وسيتم إجراء انتخابات برعاية أممية، وكذلك نتيجة الضغوط الأوربية ورفضهم لعودة اللاجئين ودعم إعادة الإعمار، من دون حل سياسي شامل.

المعوقات:
هناك كثير من المعوقات أمام هذا اللجنة الدستورية ومنها:
* من الذي سيجبر النظام على تطبيق الدستور الذي سيتم الاتفاق عليه؟ فالدستور موجود لكن غير مطبق، فهذا يعني أن الدستور سيكون حبراً على ورق إذا لم يتم تطبيقه كاملاً، وخاصة أن المؤسسات الدستورية السابقة كانت مغيبة تماماً، أو مسيطر عليها، والكل يذكر ما جرى عند وفاة الرئيس السابق حافظ الأسد، حيث تم تعديل الدستور ليكون على مقاس ابنه بشار الأسد في نصف ساعة. إن مشكلة السوريين المعارضين لم تكن مع الدستور، بل مع تطبيق الدستور. فالدستور السابق مع تعديل بعض المواد يعد دستوراً مثالياً، لكن المشكلة باحترام الدستور وتطبيقه، لأن النظام يحكم منذ عدة عقود بقوانين الطوارئ، وبالتالي يستطيع أي عنصر أمن أن يدوس الدستور وكل القوانين الدستورية، حيث لاتخضع الأجهزة الأمنية لأي رقابة، حتى أنه يذكر أن القوات الأمنية زارت عوائل أعضاء اللجنة الدستورية من الطرف الثالث (ممثلي المجتمع المدني) المقيمين بالخارج، وتم تهديهم إما بالانسحاب أو الرضوخ لطلبات النظام، وهذا ما أكد عليه ديمستورا حيث قال: "أننا شهدنا عمليات اختطاف لأفراد من عوائل بعض المشاركين بلجنة صياغة الدستور".

* تشكيل اللجنة الدستورية كان عبارة عن محاصصة دولية، بعيداً عن الكفاءة والتخصص والتمثيل، فلابد أن يكون هناك آليات محددة للاختيار من تمثيل جغرافي، وتمثيل لجميع مكونات الشعب من دون تهميش أو إقصاء، وخاصة أن أحد أسباب ما جرى بسوريا هو شعور بعض فئات الشعب بالتهميش، وأن كل مايصدر من دساتير وقوانين لاتعبر عنهم وتمثل تطلعاتهم، حيث يتبين من الأسماء التي تم تسريبها ضعف الخبرة لدى القسم الأكبر من أعضاء اللجنة، وليس لهم أي علاقة بالشؤون الدستورية. وبالنسبة لقائمة المجتمع المدني يلاحظ أنه تم تغييرها عدة مرات، وتم تفريغها من جميع الخبراء، فالنظام أعترض على أكثر الأشخاص خبرة بالشؤون الدستورية، ماعدا خبير واحد هو عبود السراج عميد كلية الحقوق في جامعة دمشق، وأن النظام تركه ليضمن أن يترأس هو اللجنة الدستورية وهو مقرب من النظام، كما أنهم لايمثلون كل المناطق والمكونات السورية، وقائمة المعارضة كذلك تفتقر للكفاءات وتم اختيارهم وفقاً للولاءات والانتماءات.

* إصرار المعارضة على وضع دستور جديد يقلل من صلاحيات الرئيس، ويحدد الجهات المخولة بالسيطرة على الجيش والأجهزة الأمنية، وترغب المعارضة تحويل نظام الحكم إلى برلماني أو مختلطـ وهذا مايرفضه النظام، ويطلب إجراء تعديلات على الدستور الموجود فقط. فالنظام يتمسك بدستور 2012، ويقول أنه يحقق مطالب المتظاهرين، ومنها إلغاء المادة الثامنة والتي تنص على أن حزب البعث هو القائد للدولة والمجتمع، وتحديد ولاية الرئيس بولايتين.

* عقدة القواعد الإجرائية وطريقة العمل والنظام الداخلي وطريقة التصويت، ومدة عمل اللجنة، وصلاحية أعضاء اللجنة، ومن المراقب لعملها، وكيف تعتبر جلساتها قانونية، وموضوع نسب التصويت وغيرها من الأمور الإجرائية التي لم يتم الاتفاق عليها. ما تم تسريبه أن أي قرار لهذه اللجنة يحتاج لموافقة 75% من الأعضاء، أي 113 عضو بالنسبة للجنة الـ 150، أما بالنسبة للجنة المصغرة فيجب تصويت 34 من أصل 45، وهذا يعني عدم صدور أي قرار في ضوء التوزيع العددي للأعضاء للأطراف السورية، فأي قرار من المعارضة يحتاج لموافقة كل ممثلي المعارضة والمجتمع المدني و13 عضواً من الموالاة، والعكس صحيح. كذلك الأمر بالنسبة للجنة المصغرة، وكان وزير الخارجية السوري وليد المعلم قد قال سنة 2011:"سوف نغرقهم بالتفاصيل، وعليهم ان يتعلموا السباحة"، وهذه استراتيجية راسخة لدى النظام، فقد نجح بإغراق الدول ذات الصلة بالملف السوري بالتفاصيل، ومشاكل هامشية أنستهم أساس المشكلة وجوهرها، وحرفت القضية السورية إلى مسارات لا علاقة لها بأصل وعمق الأزمة.

 * مرجعية اللجنة الدستورية، وكيف سيتم تطبيق الدستور، هل من خلال استفتاء من الشعب؟، أم سيفرضه مجلس الأمن على الشعب السوري؟ حيث تريد روسيا إخضاع النتائج الصادرة عن اللجنة لتصويت مجلس الشعب التابع للنظام.

* نوع وماهية الدولة السورية، فهل ستكون حكومة متكاملة ذات سلطة مركزية، أو حكومة اتحادية وحكومات محلية لا مركزية. فالولايات المتحدة وحلفاؤها يؤيدون حكومة غير مركزية أو فيدرالية، لكن تركيا تعارض ذلك، كذلك فإن إيران وروسيا يؤيدون حكومة موحدة مركزية. كذلك هنالك خلاف حول قضايا المواطنة والحصول على الجنسية، والعدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية، وعودة النازحين واللاجئين، وانتشار السلاح والجماعات المسلحة غير النظامية، والتواجد الأجنبي في سوريا، وغيرها من القضايا الشائكة.

 * موضوع الأكراد الذين يسيطرون على منطقة واسعة من سوريا، فكيف سيتم تضمينه في الدستور، من حيث الفيدرالية واللامركزية والمواطنة، واللغة وغير ذلك، وكيف سيتم فرض أي دستور عليهم في ظل الحماية الأمريكية لهم، وخاصة أن أمريكا لم تكن ضمن الدول التي توافقت على اللجنة الدستورية.

*  الخلاف حول مرجعية اللجنة بين الأمم المتحدة أو الدول الثلاث الضامنة (تركيا، روسيا، إيران)، حيث صرح ستيفان دي مستورا أن الأمم المتحدة هي الجهة الوحيدة التي ستعطي الشرعية للجنة صياغة الدستور، بينما نرى من أعلن عن تشكيلها هم الدول الثلاث الضامنة وليس الأمم المتحدة.

*  التغلغل الروسي والإيراني في سوريا، والغريب أن الرئيس روحاني أعلن عن دور إيراني باختيار الأشخاص، فكيف سيقبل الشعب السوري لجنة دستور ولجنة دستورية تمت بموافقة إيرانية.

* تحديد آلية التحول السياسي، بما في ذلك إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية، وآلية السيطرة على مفاصل الدولة، وكيفية ترشيح الأفراد، وحقوق مكونات الشعب السوري وتمثيلهم في بنية التمثيل السياسي ونصيبهم من السلطة.

فرص النجاح: 
سوريا بحاجة لدستور يفصل بين السلطات، ويضمن استقلال القضاء، ويوسع مفهوم اللامركزية لتمكين المجتمعات والمكونات المحلية، لذلك من الضروري تطبيق ذلك في المرحلة الانتقالية. ولا يُنظر للدستور المزمع كتابته على أنه حل، ولا يعول عليه في أي عملية تغيير، ولا معنى لأي دستور مقبل دون ثقافة دستورية، ودولة وأجهزة تحترم القانون وتصون الدستور، وطالما بقي نفس النهج البربري والإقصائي لعقود فلا معنى ولاقيمة لأي قانون ودستور.

وتشكيل اللجنة الدستورية وكتابة الدستور لن يغير الكثير، لكن يمكن أن يكون بداية لعملية سياسية أشمل، إذا فرضنا نجاحه. فالنظام يسعى لعرقلة عمل اللجنة الدستورية، ويفضل الاستمرار بالحل العسكري، ويسعى للدخول في التفاصيل الصغيرة، وذلك لكسب الوقت حتى يتم حسم ملف ادلب، كذلك يريد كسب الوقت بانتظار نتائج المفاوضات بين الولايات المتحدة وتركيا حول مناطق شرق الفرات، وبين روسيا وتركيا حول إدلب، وكذلك الصفقات الروسية والتي على رأسها إعادة الإعمار مقابل السماح للاجئين بالعودة.

وهناك بعض الأمور نعتقد أنها تساعد على نجاح عمل اللجنة ومنها:
 *  أن يتم التصويت على الدستور من قبل كل السوريين في الداخل والخارج، وأن تشرف الأمم المتحدة على تطبيقه، وتذليل عقبات مشاركة كل السوريين في الداخل والخارج بهذه العملية، حتى يحافظ الدستور على مصداقيته، وأن من وضعه السوريين أنفسهم، وأن التدخل الدولي اقتصر على بعض جوانب العملية الدستورية دون مضمون الدستور.

 *  يجب أن يكون هناك تمثيل للاجئين والنازحين في العملية الدستورية، وبما أن الظروف الأمنية والاجتماعية الحالية لا تسمح بإجراء انتخابات نزيهة لأعضاء الجمعية التأسيسية، بسبب غياب الاستقرار، وكذلك وجود أعداد كبيرة من اللاجئين والنازحين، لابد من اختيار ممثلين لهم باللجنة الدستورية.

* هناك تساؤل مهم: هل سيكون الدستور هو دستور مؤقت لمرحلة انتقالية يتم خلالها التوافق والعمل على صياغة دستور جديد للبلاد؟ أم هو دستور دائم؟ من الأفضل أن يكون دستور مؤقت، يتم الاعتماد عليه في المرحلة الانتقالية، بعد ذلك يتم التوافق على دستور دائم، ويتم التصويت عليه بإشراف الأمم المتحدة. وإذا كانت الأمم المتحدة والدول الضامنة والأعضاء الذين تم اختيارهم جادين برغبتهم بتحقيق السلام في سوريا، يمكنهم الاستفادة من تجارب الدول التي عاشت نفس التجربة السورية، وكلها لجأت لخيار الدستور المؤقت للبلاد، ريثما يتم التوافق على الدستور الدائم الذي يتطلب أجواء من الاستقرار والتوافق، وهو الخيار الأنسب لسوريا، لان المرحلة الانتقالية تحتاج هيئات وسلطات وصلاحيات انتقالية لأن البلاد خارجة من حرب.

* ينبغي عدم حصر إنجاز الوثيقة الدستورية في الغرف المغلقة، وعدم جعل تلك العملية حكراً على السياسيين والمفاوضين وحدهم، وإنما العمل على تأمين مشاركة مجتمعية بالحد الاقصى المتاح، لتعزيز شرعية الوثيقة الدستورية وتأمين مصداقيتها.

* يجب الحذر من أن تشمل صيغ الدستور دعوات المحاصصة، وتوزيع المناصب على أساس الانتماء القومي أو الديني، فتعزز روح التفرقة والانقسام، لذلك ينبغي عدم الدخول في المسائل الجوهرية لحين انجاز الدستور الدائم للبلاد، والابتعاد عن أية بنود تمس وحدة البلاد وسلامتها الإقليمية، أو تغير شكل الدولة، أو تؤسس لنظام المحاصصة في إدارة شؤون البلاد، لأن هذه القضايا يجب أن يتوافق عليها كل السوريين، ولا أحد له الحق بأن يزعم أنه ممثل للشعب أو يتحدث باسمه.

* يجب أن تكون الأمم المتحدة شريك أساسي في الأشراف على عمل هذه اللجنة، وألا تعمل هذه اللجنة بمعزل عن الملفات الأخرى المتفق عليها في جنيف، وأن ينظر لهذه اللجنة كأحد عوامل الحل السياسي، وليس بوصفه الحل الوحيد.

* يجب على ممثلي المجتمع المدني فتح نقاش وحوار مع كل المنظمات والتحالفات المدنية السورية الأخرى، ومن الأفضل عقد مؤتمر وطني واسع لكل مكونات الشعب السوري.

* يجب التحلي بالواقعية، فليس بمجرد وضع الدستور ستنتهي الحرب والأزمة في سوريا. لكن يجب على الجميع أن يكونوا بقدر المسؤولية، وخاصة من تم اختيارهم لهذه اللجنة، وخاصة أن الاختيار لم يتم من الشعب السوري، لذلك لديهم فرصة إثبات وطنيتهم، وحرصهم على سوريا، وحل الأزمة، وعودة السلام لسوريا من خلال التوافق والإسراع بالعمل، لإنهاء العمل بأسرع وقت، عسى أن يسهم بعودة السلام لسوريا.