قاسم سليماني ودوره في قيادة التدخل الإيراني في سوريا

الموقف الايراني من "الثورة السورية" بات معروفاً بثبات دعم نظام بشار الأسد، اتسم هذا الموقف بالتجاهل التام لمطالب السوريين في تحقيق الديمقراطية والعدالة والمساواة والتداول السلمي للسلطة، والذي تجلى بالتجني على كل سوري خرج في المظاهرات مطالباً بذلك، واتهامه بالعمالة والإرهاب.

أعلنت إيران منذ بدايات الثورة السورية في العام2011 موقفاً مؤيداً للنظام في مواجهته للثورة الشعبية، وظهر ذلك عبر التبني الكامل لرواية النظام الرسمية لوصف مجريات الاحداث والمظاهرات والمواجهات، وشن حملات اعلامية مماثلة لحملات النظام الإعلامية، التي تنعت الانتفاضة الشعبية بالمؤامرة الاجنبية من قبل الغرب واسرائيل وغيرها، وهي تستهدف صمود ومقاومة سوريا، والنظر الى الاحداث على انها فتنة شبيهة بما حدث في ايران في العام 2009. 

لا يخفى على احد وجود تحالف استراتيجي وتاريخي بين نظامي الحكم القائمين في سوريا وايران، بدأ منذ الثورة الايرانية على شاه ايران في العام 1979، فإيران كانت وماتزال ترى ما يحدث في سوريا مؤامرةً وتهديداً لمصالحها في المنطقة، فسقوط او اضعاف نظام الحكم القائم في دمشق سيؤثر سلباً على نفوذها في لبنان والمنطقة ككل، حيث تشكل سوريا بوابة التأثير "الجيوسياسي" في المنطقة برمتها، وأن تغيير نظام الحكم القائم في دمشق يعني الفشل الذريع لمشروع إيران الإقليمي بأكمله، وعرقلة إتمام قوس النفوذ الإيراني الممتد من ايران الى العراق وسورية ولبنان، وبالتالي خسارة إيران لمساعي أكثر من ثلاثين عاماً من استثمار جهودها السياسية والمالية والآيديولوجية والطائفية في المنطقة العربية، فضلاً عن الخشية من وصول هذه الزلزال السياسي إلى طهران نفسها في حال نجاح الثورة السورية، وبالتالي سيسقط النظام الايراني القائم أو يتم عزله إقليمياً. لا شك أن سقوط نظام الحكم في دمشق سيقلل من النفوذ الإيراني في المنطقة، وخاصة في فلسطين المحتلة ولبنان والعراق، وإيران تريد نجاح مشروعها الإقليمي بأي ثمن كان.

كان العامل المذهبي واضحاً في إندفاع إيران لدعم النظام السوري، كأحد الأسباب المهمة للتقارب بين الجانبين، فإيران لا ترغب أن يتغير نظام الحكم في سوريا، أو ان تتم أي صفقة لحل الازمة السورية تؤدي الى تغيير الوضع القائم، لأن إيران لا تملك أي علاقات أو تأثير مع الأطراف المعارضة للنظام، وهذا سينتج عنه بالضرورة مغادرتها المنطقة.

نهج وأسلوب سليماني في قيادة التدخل العسكري الإيراني في سوريا
منذ اليوم الأول للثورة السورية، قدمت إيران دعماً اعلامياً واقتصادياً ولوجستياً وعسكرياً لنظام بشار الأسد، فخلال العام 2011 وفي بدايات الثورة السورية "السلمية" كانت ايران ترسل إلى سوريا الخبراء والمعدات اللوجستية لمساعدة النظام، ثم تطور الأمر خلال العام 2012 إلى قيام ايران بإرسال الآلاف من عناصر الحرس الثوري الايراني والميليشيات الطائفية العراقية واللبنانية والأفغانية إلى سوريا لمساندة النظام، كان هذا الأمر يتم بشكل غير علني في البداية، ثم تطور الامر خلال العام 2013 لتبدأ مرحلة المشاركة والتدخل العسكري المباشر وبشكل علني، وبدأت ايران تخسر اعداداً كبيرة من قواتها وميلشياتها في المواجهات الدائرة في سوريا.

كان قاسم سليماني يعد الذراع الخارجي لتنفيذ سياسة التوسع الإيرانية، وخاصة بعد توليه قيادة فليق القدس الايراني، حيث لعب دوراً مكملاً لمن سبقه في تسليح وتدريب حزب الله في لبنان، وأدى دوراً عسكرياً واضحاً في العراق، بالإضافة لدوره في دعم جماعة الحوثي في اليمن.

في منتصف عام 2012 تولى "سليماني" شخصياً مهمة قيادة التدخل الإيراني في سوريا، وذلك بعد أن بات واضحاً أن "بشار الأسد" لا يستطيع الصمود طويلاً أمام المعارضة، حيث كانت قوات النظام تتلقى خسائر كبيرة ومتتالية. عمل "سليماني" على إدخال عشرات الآلاف من عناصر فيلق القدس الايراني بالإضافة للميليشيات الشيعية (العراقية والأفغانية والباكستانية) إلى سوريا، بالإضافة للوجود السابق لحزب الله اللبناني، وتم نشر هذه القوات والمليشيات في مختلف المناطق السورية. كما تولى "سليماني" مهمة الاشراف على انشاء ميليشيات محلية لدعم قوات الأسد، والمعروفة باسم قوات "الدفاع الوطني"، بالإضافة لميليشيات طائفية أخرى بتمويل وتسليح وتدريب ايراني، وايضاً تولى ادارة التدخل العسكري وقيادة المعارك بشكل مباشر في مواجهة قوات المعارضة في سورية.

ان اهم وظائف فيلق القدس الايراني (غير المعلنة) هي استئصال من تعدهم ايران اعداءً لها، ولتحقيق ذلك مُنح "سليماني" حرية مطلقة في تطبيق رؤية "مرشد الثورة الايرانية-خامنئي-"، حول أهداف ايران في المنطقة، عبر فيلق القدس والامكانات الهائلة التي وضعت تحت تصرف سليماني. فقد حاول قاسم سليماني بعد توليه قيادة فيلق القدس إعادة تشكيل الشرق الأوسط لصالح إيران، فعمل كصانع قرار سياسي وكقائد عسكري في الدول التي تتدخل فيها ايران، متبعاً أسلوب القضاء على الخصوم وتقوية وتسليح الحلفاء، ولم يتوان عن فعل أي شيء لتحقيق ذلك، حتى بات يوصف من عدة جهات دولية بأنه داعماً رئيساً للإرهاب في مناطق عديدة من العالم، وله الدور الأول في نشر العنف والقتل والدمار في العراق وسوريا.

لم يكن سليماني قائداً عسكرياً إيرانياً بارزاً فحسب، بل هو المسؤول أيضاً عن مشروع التوسع الإيراني بكل تفاصيله "السياسية والعسكرية والثقافية"، في المنطقة عامة وفي سورية خاصة، حيث كان يقود العمل العسكري – تخطيطاً وتنفيذاً- للتغيير الديموغرافي في أرياف ومدن سورية، مثل حمص ودمشق وريفها وحلب ودرعا، فكان له اليد الطولى في العمل على تهجير ملايين السوريين من مدنهم وبلداتهم وقراهم، ومحاولات استبدال السكان في بعض المناطق السورية بالمرتزقة من خارج سوريا، وكل ذلك كان يتم بشكل مخطط وممنهج.

لتحقيق ذلك كان يتم استخدام حجة الدفاع عن "المقامات أو العتبات المقدسة والأضرحة الشيعية"، لجذب العناصر الشيعية للقتال في سورية، بالإضافة للعمل على نشر المذهب الشيعي في سوريا عبر "الحسينيات" والمراكز الثقافية الايرانية باستخدام الاغراء المالي، كما قام سليماني بالعمل على وضع او ايصال عملاء إيران أو التابعين لها إلى مناصب مهمة في مفاصل الدولة السورية وفي قواتها العسكرية والأمنية، ولم يغفل سليماني عن استخدم اسلوب تمويل (عدو العدو) كالأكراد وبعض مجموعات الاستخبارات العسكرية المخترقة في مناطق المعارضة.

استراتيجية الحصار والتجويع والقتل
خلال عامي 2011-2012 استخدم "النظام الحاكم" في دمشق سياسة الحصار والتجويع كعقاب ضد الثائرين عليه، تطبيقاً لشعار "الجوع او الركوع" في المناطق التي خرجت عن سيطرته، ورغم ذلك بقيت تتسع رقعة المناطق التي تخرج عن سيطرته وتطالب برحيله، حتى بدأ التدخل الايراني المباشر ووصول "سليماني"، فأصبحت عمليات الحصار والتجويع تصاحبها حملات قصف وتدمير وتهجير ومعارك متواصلة في هذه المناطق، وظهرت وفيات بسبب سوء التغذية كما حدث في مخيم اليرموك والغوطة وغيرها في شتاء 2013-2014، ليصبح التجويع والحصار والقتل استراتيجية يتم اتباعها ضد المعارضين في كل المناطق الخارجة عن السيطرة، على وفق مبدأ جديد "الركوع او التهجير والجوع والقتل".

سليماني ومنع سقوط "بشار الأسد"، وتدخل روسيا في الحرب
تمكن الإيرانيون بعد قدوم "سليماني" وقيادته للتدخل المباشر من إنقاذ "الأسد" من السقوط، لكن لم يتمكنوا من تغيير موازين القوى لصالحهم وبقيت مساحات واسعة خارجة عن السيطرة، فكان لابدّ من الحصول على مزيد من الدعم من حليف مشترك، لتغيير الوضع لصالح "الأسد"، ولتحقيق ذلك توجه "سليماني" في العام 2015 إلى موسكو، وتمكن من إقناع الرئيس الروسي "فلاديمر بوتين" بالتدخل عسكريًا في سوريا، ليبدأ بعدها تطبيق معادلة قوة جديدة في البلاد، فتغيرت الموازين لصالح "الأسد"، بعد تدخل الروس واستخدامهم سلاح الجو المتطور والمدمر، والمترافق بتشكيلات القوات البرية المختلفة بقيادة "سليماني"، متبعين سياسة "الأرض المحروقة"، للسيطرة على مناطق المعارضة بأي شكل، بعد تهجير الأهالي وتدمير قراهم وبلداتهم، ومن ثم سرقة و"تعفيش" ممتلكاتهم بشكل ممنهج.

هل سينتهي دور ايران في سوريا والمنطقة بعد مقتل سليماني؟
من المؤكد ان مقتل "قاسم سليماني" لن ينهي الدور الإيراني أو تأثيره في سوريا والمنطقة بشكل مباشر وفوري، فالمشروع الإيراني في المنطقة عمره أكثر من 30 عاماً، و لن يتوقف على مقتل شخص واحد، ولكن من المحتمل ان ينعكس غياب سليماني على سياسات ايران في المنطقة، وقد يدفعها الى اعادة صياغة هذه السياسات، والأهم من ذلك هي الرسالة القوية التي مثّلها مقتل "سليماني"، والتي اوصلتها الولايات المتحدة الامريكية ومن خلفها "اسرائيل" لإيران ان دورها في سوريا والمنطقة يجب ان ينحسر، ولن يستمر هذا الدور طويلاً، وعليه من المحتمل ان يشكل مقتل سليماني بداية النهاية للدور الإيراني في المنطقة على المدى الطويل. كما أن مقتل "سليماني" سيخلق ثغرة كبيرة في التنسيق والتعاون بين الايرانيين والروس في سوريا، رغم ان هنالك تنافس واضح بين الروس والإيرانيين للتحكم في مفاصل الأمور في سوريا، ولكن بعد مقتل سليماني سوف تتجه روسيا الى احكام قبضتها وبشكل أسهل بكثير على سوريا.