اليمن: معركة الحديدة - حسابات السياسة وحيثيات المعركة

في الثامن والعشرين من مايو الماضي أطلقت القوات الموالية للحكومة اليمنية وبإسناد قوات التحالف العربي ( تحالف عسكري بقيادة السعودية ) عمليات عسكرية ضد مسلحي الحوثي ( الموالية لإيران ) سيطرت خلالها القوات التابعة للحكومة اليمنية على منطقة الطائف بمديرية الدريهمي محافظة الحديدة، التي تبعد عن مركز مدينة الحديدة 18 كم، وبحسب رئيس الوزراء اليمني " أحمد عبيد بن دغر " فإن الجيش الوطني يستعد لخوض معركة عسكرية واسعة للسيطرة على مدينة الحديدة ومينائها الاستراتيجي الذي يعد ثاني أكبر ميناء في اليمن، والذي يدخل منه حوالي من 70% من واردات اليمن التموينية.

بالرغم من إعتراف زعيم " انصار الله الحوثيين " في خطاب متلفز بالهزيمة وخسارة بعض المناطق في محافظة الحديدة نتيجة ضعف الحاضنة الشعبية حسب قوله، فإن وتيرة تقدم الوية الجيش الموالي للحكومة نحو مدينة الحديدة قد تراجعت خلال الأيام الأخيرة تزامن ذلك التراجع مع قيام المبعوث الأمم المتحدة الجديد " مارتن جريفيث " بجولة مباحثات مع الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي ليتجه بعدها إلى العاصمة صنعاء للقاء بقيادات جماعة أنصار الله الحوثيين.

من جهتها أجرت رئيسة الوزراء البريطانية " تريزا ماي " إتصالاً هاتفياً بولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان تحثه على وقف المعارك في اليمن والدخول في عملية مباحثات سياسية، الموقف الأمريكي كان متسقاً مع الموقف البريطاني حيث حذرت واشنطن دول التحالف العربي من عواقب دخول القوات الحكومية إلى مدينة الحديدة، هذا الحراك السياسي الدولي اللافت يطرح تساؤلات حول أهمية معركة الحديدة، وإنعكاساتها على ديناميات المعارك بين الحكومة والمتمردين الحوثيين، وما اذا كانت الحديدة تشكل مدخلاً لمباحثات سياسية جديدة أم  أنها باتت إلى الحل العسكري أقرب ؟

 

ديناميات المعركة وواقعها الحالي

إنطلقت العملية العسكرية الأخيرة المتجهة نحو مدينة الحديدة في اتجاهين رئيسيين الاتجاه الأول؛ يبدا من مديرية حيس باتجاه مديريات "التحيتا ثم الجراحي، زبيد، الحسينية بيت الفقيه، وصولاً إلى المنصورية"، وهي مدن تقع جنوب مركز المحافظة، وفيها كثافة قراى سكنية ولا تزال هذه الجبهة متعثرة بحكم قربها من السلسلة الجلبية التي تتمركز بها قوات الحوثي فضلاً عن كثافة حقول الألغام التي زرعها مسلحي الحوثي.

الجبهة الأخرى من عملية العسكرية إنطلقت عبر الطريق الساحلي باتجاه مديرية الدريهمي وكانت هي الإسرع في التقدم نحو المدينة باعتبارها منطقة مفتوحة ولا توجد فيها كثافة قرى سكنية بحكم أنه خط حديث، الأمر الذي سهل من عملية تغطية الطيران النارية للقوات البرية وقد توقفت هذه الجبهة بصورة مفاجئة على تخوم المدينة من الناحية الجنوبية عدا بعض المناوشات وموجات الكر والفر دون تقدم حقيقي على الأرض.

وفي شهر ديسمبر من العام الماضي سيطرت القوات الموالية للحكومة اليمنية على مديرية الخوخة الساحلية أول مديريات المحافظة من جهة الجنوب والتي تبعد عن مركز المحافظة 115 كم، ثم تلتها السيطرة على مركز مديرية حيس في فبراير من العام الحالي، اشترك في تحرير المديريتين قوات عسكرية جنوبية يتبع أكثر أفرادها التيار السلفي الجنوبي.

تسعى الإمارات إلى تسويق طارق صالح " نجل شقيق الرئيس اليمني السابق علي صالح " والذي هرب من العاصمة صنعاء بعد مقتل عمه إلى مدينة عدن وتلقى دعم من دولة الإمارات لغرض إعادة ترتيب صفوف الحرس الجمهوري ( قوات نظام علي صالح )  بغرض عودته لقتال الحوثيين لكنه رغم ذلك لم يعلن تبعيته أو ولائه للحكومة اليمنية ويتلقى أوامره مباشرة من حكومة أبو ظبي، وهذا يفسر حجم الخلافات بين دولة الإمارات والرئيس اليمني عبدربه منصور هادي.

كان هناك رفض تام من قبل قيادة المقاومة التهامية لتصدر طارق صالح قيادة المعركة، إلى أن جرى التفاهم حول تجهيز خمسة ألوية تهامية لقيادة المعركة مع عدد من الألوية من قوات العمالقة الجنوبية، وأوكلت مهمة الإسناد لكتائب طارق صالح التي يسميها أنصاره "المقاومة الوطنية"، ويقود ألوية العمالقة الموالية للحكومة أبو زرعة المحرمي وهو قيادي سلفي من أبناء الجنوب وهو القائد الفعلي لمعركة الساحل الغربي.

وفي هذا الصدد قال ركن العمليات العسكرية في ألوية العمالقة العقيد أحمد الصبيحي لــ " الموقع بوست " أن بعض الوسائل الإعلامية تنسب تضحيات وانتصارات قوات الجيش الوطني لقوات طارق صالح وهناك سرقة واضحة للانتصارات التي تحققها قوات الحكومة الشرعية من قبل إعلاميين تابعين لطارق صالح " " نجل شقيق علي صالح" وقال الصبيحي أن دور قوات طارق صالح هو تأمين الخطوط والمناطق بعد تحريرها من قبل قوات الحكومة اليمنية.

 

الأهمية الاستراتيجية لمدينة الحديدة

تتمتع محافظة الحديدة بموقع إستراتيجي هام مكنها من التأثير الدائم على الخارطة السياسية والعسكرية والمالية للجمهورية اليمنية، ولذا تحتل الحديدة ومينائها مكانة متقدمة في اهداف قوات الجيش الوطني والتحالف العربي وتقع محافظة الحديدة غرب اليمن على ساحل البحر الأحمر، وتبعد عن العاصمة صنعاء حوالي 226 كم، وتحدها من جهة الشرق أجزاء من محافظات تعز وإب وذمار وريمة والمحويت وحجة، بينما يحدها من الجنوب محافظة تعز، ومن الغرب البحر الأحمر ومن الشمال حجة، تبلغ مساحتها حوالي 17,509 كم² ويبلغ عدد سكانها مليونان ونصف المليون تقريبا يتوزعون على 26 مديرية.

تقع المحافظة في المنطقة السهلية لساحل تهامة الذي يمتد من مديرية اللحَّية في الشمال إلى مديرية الخوخة في الجنوب بطول حوالي 300 كم ويضم عددا من الموانئ الاستراتيجية كميناء الحديدة وميناء الصليف وميناء رأس عيسى النفطي الواقعة شمال مركز المحافظة، كما توجد بها أكثر من عشرين جزيرة أهمها جزيرة كمران وجزيرتي حنيش الكبرى والصغرى، كما تعتبر مدن المحافظة من أعرق المدن التاريخية في اليمن ولا تزال آثارها شاهدة على ذلك حيث كان لمدينة زبيد التاريخية الواقعة جنوب مدينة الحديدة 90كم تقريبا ريادة علمية في شتى العلوم الإسلامية والإنسانية لفترات طويلة ووصل أثرها العلمي إلى بلدان عديدة، ولا تزال المحافظة تكتنز بين جنباتها عددا من القلاع والحصون الأثرية والمدن التاريخية والموانئ القديمة، في مديريات زبيد وبيت الفقيه وحيس والزيدية واللحية.

 

حسابات دولية في معركة الحديدة .

تأتي هذه العملية في ظل متغيرات محلية ودولية تسببت في تراجع قوة " انصار الله الحوثيين "العسكرية والشعبية وكذلك السياسية وكان من أبرزها أقدام " انصار الله الحوثيين "على قتل حليفها " علي عبدالله صالح " في كانون الأول 2017 علي يد حلفائه الحوثيين إثر خلافات على السلطة والنفوذ، بهذا تكون جماعة " انصار الله الحوثيين الشيعية " قد خسرت مضلة المؤتمر التي كانت تستخدمها لتعزيز نفوذها في المناطق الشافعية مثل الحديدة والبيضاء وتعز .... وغيرها، أما على المستوى الدولي فقد القت الخلافات الأمريكية الإيرانية بظلالها على الصراع السعودي الإيراني في اليمن " معنوياً  "  غير أن السياسة على الأرض لم تتغير حتى الآن إذ أن الموقف الأمريكي البريطاني الأخير لايزال رافض فكرة دخول القوات الحكومية والتحالف العربي لمدينة الحديدة وهذا قد يندرج تحت النهج الغربي الأمريكي المتمثل في الحفاظ على توازن القوى بين أطراف الصراع في اليمن والمنطقة وبالتالي إطالة أمده.

لاسيماء وأن هذه ليست المحاولة الأولى للسيطرة على مدينة الحديدة الإستراتيجية من قبل الحكومة اليمنية والتحالف العربي، فقد حاول التحالف العربي وتحديداً السعودية تحرير المدينة في مارس العام الماضي غير أن الموقف الغربي الأمريكي وقف دون تحقق ذلك بحسب ما ذكره المتحدث السابق باسم التحالف اللواء أحمد عسيري لصحيفة الشرق الأوسط ( 31مارس 2017) " أن الدول الغربية قاتلت لكي تبقي ميناء الحديدة تحت سيطرة الحوثي بحجة إيصال الشحنات الغذائية والأدوية، ولايزال هذا المبرر قائماً حتى الأن.

لكن في المقابل هناك بعض المتغيرات تشير  إلى إمكانية تحول الموقف الأمريكي البريطاني والسماح للحكومة اليمنية ودول التحالف للمضي في طريق استعادة المناطق الساحلية من محافظة الحديدة، شرط تقديم تصور كامل لحيثيات المعركة وتبعاته وتطمين الأمم المتحدة على المستوى الإنساني حسب ما جاء في تقرير لوكالة " رويتر " .

وما يدعم هذ الفرضية رغبة وزير الدفاع الأمريكي "جيمس ماتس" ووقفوه إلى جانب دول التحالف العربي في طلبها للدعم الامريكي من أجل السيطرة على مدينة الحديدة، وقد صرح "جيمس ماتس"  في وقت سابق "إن الصاروخ الذي أطلقته مليشيات الحوثي في نيسان/إبريل الماضي على ناقلة نفط سعودية حصلوا عليه من إيران" واعتبر الوزير في تصريح له للصحافيين "تهديد الملاحة في البحر الأحمر كان جليا حين شوهد كيف أصاب الصاروخ الذي أرسلته إيران ناقلة النفط" وفي هذا السياق تسعى السعودية لتسويق هذا الحدث كمهدد رئيسي للملاحة الدولية.

ومما لا شك فيه فإن لكلٍ أهدافه بعضها معلنة وأخرى غير معلنة يسعى لتحقيقها من خلال السيطرة على المحافظة، وخصوصا دولة الإمارات التي تقف خلف العملية وتتبناها بشكل رئيسي، حيث تسعى إلى إحكام سيطرتها على كافة الشريط الساحلي الممتد من باب المندب إلى ميناء الصليف القريب من حدود المملكة العربية السعودية مع اليمن وذلك من خلال تسويق طارق صالح نجل شقيق الرئيس اليمني السابق كمنقذ وتسويق كتائبه أنها القوات الفعلية الموكل لها تحرير المحافظة في حين أن كتائبه لا تساوي 10% من قوام القوات المشاركة في الميدان والتي تتبع خمسة ألوية منها قوات العمالقة الجنوبية التابعة للمنطقة العسكرية الرابعة بينما تتبع خمسة ألوية أخرى المقاومة التهامية، ومما يوضح هذا الزخم الإعلامي الذي يتبناه إعلام الإمارات أنهم حريصون على توفير موطئ قدم لهم في محافظة الحديدة لتكون قوات موازية لقوات المجلس الانتقالي الجنوبي في عدن وبالتالي تضمن الإمارات قوتين فعليتين في اليمن تعتمد عليهما خارج إطار الشرعية اليمنية، وتضمن من خلالهما السيطرة على الشريط الساحلي كاملا البالغ طوله 2500 كم والذي يضم عشرة موانئ بحرية و200 جزيرة.

 

تحديات المعركة

تتعدد التحديدات اشكال التحديات أمام إجتياح مدينة الحديدة والتي يصفها البعض ب " السهل الممتنع " فمنها ما هو إنساني وله ارتباطات دولية وسياسية ومنها العسكري بالإضافة إلى التحدي الأمني :

1. التحدي الإنساني؛ يعتبر التحدي الإنساني والتخوف من حصول كارثة إنسانية أهم المعوقات التي تؤجل إقتحام المدينة، وهذا التحدي يظل قائماً سواء إخذت المعركة استراتيجية الحصار أو المواجهة المباشرة غير أن هناك من يرى أن الأولى أخف من الإجتياح المسلح.

وهذا يستدعي من الحكومة الشرعية ودول التحالف العربي وضع خططها اللازمة التي تضمن إيواء الأسر النازحة وإغاثتهم لا سيما وأن معظم أهلي الحديدة من الطبقة الفقيرة مما يعني حدوث كارثة إنسانية وشيكة.

2. تحدي عسكري؛ تبدوا التحديات العسكرية أقل أهمية من بالنسبة للحكومة ودول التحالف حيث استنزفت جماعة الحوثي خلال العام الماضي في جبهات متعددة بالاضافة إلى خلافها مع علي صالح الذي كلفها الكثير في مقابل تزايد الإستعدادت في صفوف الجيش الموالي للحكومة والتحالف العربي، ذلك لايعني أنه لم يعد هناك تحدي عسكري لاسيما وجماعة الحوثي تدرك مخاطر فقدانها ميناء الحديدة وبالتالي يتوقع أن تستميد في الدفاع عنه.

3. التحدي الأمني؛ ثمة مخاوف من تكرار التجربة السيئة لإدارة محافظتي تعز وعدن (العاصمة المؤقته) في محافظة الحديدة بعد تحريرها من مسلحي الحوثي، وتتمثل في: تعثر الحكومة في تطبيع الأوضاع ومعاودة فتح الميناء والمطار، واحتمالية تعدد جهات السيطرة والنفوذ على المناطق بولاءات تناقض إدارة حكومة الرئيس هادي، وينعكس سلبا على ضعف حماية المنشئات العامة والخاصة، وتأمين المواطنين، فتؤدي إلى انهيار المكتسبات المحققة وتولد حالات فوضى وصراع تشكل عبئً إضافيا على حكومة الرئيس هادي، خاصة وهي لا تزال في خلاف مع دولة الإمارات التي تريد الدفع بطارق صالح للسيطرة على المدينة.

 

سيناريوهات سير المعركة:

ثمة مؤشرات تشير إلى أن خيار الحسم العسكري لمدينة الحديدة بات راجحا لكنه من المتوقع إيضاً الضغط على الحكومة الشرعية ودول التحالف لإعطاء المبعوث الأممي فرصة لخوض مباحثات جديدة ومن ثم يبنى قرار مدينة الحديدة على مخرجات هذه المباحثات وهذا الخيار سيقبل به الحوثي بهدف كسب الوقت لترتيب أوراقه وهذا وراد في ظل الضغط البريطاني الجديد.

لكن اذا ما أفترضنا فشل الأمم المتحدة في جمع الأطراف على مباحثات جديدة فمن المتوقع أن تسير المعركة بأحدى المسارات:

المسار الأول:

الاتجاه مباشرة في نفس الطريق من مديرية الدريهمي إلى مدينة الحديدة وهذا ما سيكلف خسائر كبيرة في العدة والعتاد والأرواح، خصوصا وأن الجماعة ليس عندها نية لتسليم المدينة وهذا ما سيؤدي إلى تدمير البنية التحتية في المدينة وتشريد أهلها وتفاقم الوضع الإنساني ومن ملامح النية المبكرة لدى " انصار الله الحوثيين " للتمترس بالمدينة حسب رواية الحكومة اليمنية:

  1. اعتقال من يشتبهون به من أبناء المدينة ومن تطلق عليهم " المرجفين ".
  2. الحشد العسكري داخل المدينة يوازيه إجلاء شبه كامل لأسرهم وقياداتهم السياسية المتواجدة في الحديدة وخصوصا الخبراء الأيرانيون كما صرح بذلك وكيل محافظة الحديدة وليد القديمي للشرق الأوسط.
  3. الدعوة للنفير العام وحشد المقاتلين من محافظات أخرى إلى المدينة.
  4. إدراك الحوثيين أهمية الحديدة من الناحية السياسية والاقتصادية وما معنى سقوطها؟

المسار  الثاني:

تحرير مدينة باجل أولا التي تبعد عن مركز المحافظة "47" كم شرقا، والسيطرة الكاملة على خط صنعاء الحديدة، ثم الزحف من مدينة باجل غرباً لقطع خط الحديدة حرض الواقع شمال مركز المحافظة مع السيطرة الكاملة على الخطوط الترابية، يرافق ذلك كله إنزال بحري وإسناد جوي مع السيطرة الجوية على سلسلة الجبال شرق المحافظة، وبهذا تتم عملية تطويق مدينة الحديدة بالكامل وتسهل عملية التحرير بأقل الخسائر الممكنة.