كركوك وأزمة العلم الكردي

وجّه محافظ كركوك الدكتور نجم الدين كريم خطابا رسميا الى مجلس المحافظة  بتاريخ 14 مارت 2017 طلب فيه اصدار قرار برفع علم اقليم كردستان على ابنية الدوائر الرسمية في كركوك بجانب علم جمهورية العراق. وقد احدث ذلك ردة فعل عنيفة من قبل التركمان بالأخص، وصدرت تصريحات من مختلف الاوساط التركمانية تندد بهذا الحادث وتعتبره خطأ خطيرا وخاطئا ومبعثا لتمزيق التعايش السلمي بين مختلف قوميات ومكونات المدينة.

فقد صرّح رئيس الجبهة التركمانية وعضو مجلس النواب عن محافظة كركوك السيد ارشد الصالحي تعليقا على هذا الأمر بان المحافظ بمحاولته رفع العلم الكردي في كركوك التي هي مدينة تركمانية بل وقرة عين التركمان انما (يلعب بالنار)، ويريد ان ينشب الشقاق بين الاخوة في كركوك.

كما بادرت الاحزاب والحركات السياسية التركمانية الى اصدار تصريح تستنكر فيه موقف محافظ كركوك، معربة عن ان مثل هذه الخطوة من شأنها الحاق الضرر بالوئام الموجود بين اهالي كركوك، ودعت رئيس الوزراء الى تبيان موقفه من هذا الحادث.وذكر بيان موقع من قبل ثمانية نواب من المكون التركماني ان"كركوك وبموجب المادة 140 من الدستور العراقي تعتبر من المناطق المتنازع عليها،ووضعها الدستوري الحالي هي محافظة غير منتظمة بإقليم تابعة للمركز".

وادلى نائب رئيس الجبهة التركمانية العراقية وعضو مجلس النواب عن مدينة كركوك السيد حسن توران بحديث صحفي اعرب فيه عن قلقه ازاء هذه التصرفات قائلا : "مما يؤسف له ان الحكومة العراقية تلتزم الصمت ازاء امثال هذه التصرفات المخالفة لأحكام الدستور العراقي. وفي حين ان نسبة 40 % من اراضي محافظة كركوك هي تحت سيطرة داعش، فان الوضع السياسي والأمني لكركوك لا يساعدان على خلق مثل هذه الفتنة".

واوضح النائب التركماني السابق السيد فوزي اكرم ترزي في تصريح له حول الموضوع، ان رفع علم كردستان على مباني الدوائر الحكومية في كركوك عبارة عن جزء من خطة مبرمجة من قبل الاحزاب الكردية بهدف التوسّع في المناطق المتنازع عليها، وان الاحزاب الكردية تتّبع سياسة الامر الواقع في كركوك مستفيدة من واقع الصراع ضد داعش. ودعا فوزي اكرم السيد رئيس الجمهورية الى عدم اتخاذ موقف المتفرج في هذا الموضوع الخطر والتدخل فيه.

واضحى هذا الحدث موضع استياء الحكومة المركزية ايضا، فقد اوضح المتحدث باسم رئاسة الوزراء العراقية السيد سعد الحديثي في تصريح ادلى به حول الموضوع بتاريخ 20 مارس 2017 " ان تعليق اعلام اخرى غير علم العراق في مناطق خارج الاقليم الكردي أمر غير صحيح، وان الحكومة العراقية ترفض جميع المواقف الأحادية في هذا الجانب.كما ان الدستور العراقي قد اوضح صلاحيات الحكومات المحلية في المحافظات التي لا ترتبط بإقليم وصلاحيات الحكومة الفدرالية عليها، ومحافظة كركوك واحدة من هذه المحافظاتولا يجوز رفع اعلام اخرى غير العلم العراقي في المناطق الخارجة عن حدود إقليم كردستان".

ووصف رئيس كتلة دولة القانون النيابية  السيد علي الأديب في تصريح له رفع علم اقليم كردستان في محافظة كركوك، بانه مخالف للدستور.

واضاف الأديب " ان رفع العلم العراقي أو أي علم آخر في أية محافظة من محافظات العراق في المناسبات الرسمية والاعياد يخضع لمواد دستورية وتعليمات ينبغي ان تكون هي الحاكمة على اي اجراء يتخذه محافظ او مجلس محافظة".وبين ان "الطلب الصادر من محافظ كركوك بشأن رفع علم اقليم كردستان في محافظة كركوك - وهي محافظة ليست مرتبطة باقليم كردستان- مخالفة دستورية تثير القلق لدى كل ابناء الشعب العراقي".

فيما اوضح الخبير القانوني طارق حرب ان محافظ كركوك نجم الدين كريم ارتكب جريمة وفقا للقوانين العراقية،وان تصرفه برفع العلم الكردي فوق المباني الرسمية بكركوك مخالف لقانون مجالس المحافظات ايضا. واوضح حرب في تصريح له حول الموضوع " يمكن لرئيس الوزراء السيد حيدر العبادي ان يعزل اي محافظ عن طريق ارساله مشروع قانون الى البرلمان للمصادقة عليه بهذا الصدد، وان محافظ كركوك قد خالف احكامالعلم العراقي ايضا".

 

وصرّح المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية التركية السفير حسين مفتي اوغلو ردا على سؤال الصحفيين " نستغرب لأمر محافظ كركوك بأرساله كتابا رسميا الى مجلس محافظة كركوك يطلب فيه الموافقة على أقرار رفع علم كردستان بجانب علم جمهورية العراق. ان الدستور العراقي حدد الواجبات الادارية التي يجب اتباعها فيما يتعلق بالمناطق المتنازع عليها. وعدم تفعيل الواجبات حول الوضع الخاص لمحافظة كركوك وأتخاذ القرارات من طرف واحد يضر بجهود المصالحة ويشكل خطرا على جهود تحقيق الاستقرار في العراق.

 

ووصفت بعثة الامم المتحدة لمساعدة العراق (يونامي) قرار رفع العلم الكوردستاني في محافظة كركوك بأنه "خطوة أحادية" قد تعرض التعايش السلمي بين المكونات فيها للخطر.وقالت البعثة في بيان لها، انها " هي المعنية بالقرار الاخير الذي اتخذه محافظ كركوك نجم الدين كريم برفع العلم الكوردستاني فوق قلعة كركوك".وأضافت انها تلاحظ  "ان حكومة العراق قد اوضحت ان كركوك تقع بموجب الدستور تحت سلطة الحكومة المركزية، وانه لا ينبغي رفع العلم في محافظة اخرى غير العلم العراقي".

وقالت أيضا انها "تحذر من اي خطوات احادية الجانب قد يعرض الوئام والتعايش السلمي للخطر بين العديد من الجماعات الاثنية والدينية في كركوك".

ودعت جبهة الاصلاح النيابية مجلس النواب إلى اقالة محافظ كركوك نجم الدين كريم على خلفية الاوامر التي اطلقها بشأن رفع العلم الكردي فوق كركوك، مؤكدة ان المحافظة مازالت تحت الحكم الاتحادي ولم يقرر لغاية الان ضمها الى اقليم كردستان.

 واوضح عضو الجبهة اسكندر وتوت في تصريح صحفي، إن التركمان والعرب الذين هم الاغلبية في كركوك قد رفضوا هذا القرار وان البرلمان مطالب باقالة محافظ كركوك نجم الدين كريم على خلفية الاوامر التي اطلقها بشأن رفع العلم الكردي فوق كركوكوعلى جميع الاطراف الكردية التصرف بحكمة.

 

وقد حاول السيد محافظ كركوك تبرير الاجراء الذي قام به وإرسائه على اساس دستوري، بالاشارة الى المادة 140 من دستور العراق، مبينا ان وضع كركوك يدخل ضمن اطار هذه المادة. ففي معرض محاولته الرد على تصريح بعثة الامم المتحدة لمساعدة العراق (يونامي) التي اوضحت ان كركوك هي من ضمن صلاحيات الحكومة المركزية، وانه يجب عدم رفع اي علم في كركوك غير العلم العراقي، افاد السيد المحافظ "ان الدستور العراقي لا يحتوي على مادة تمنع رفع علم كردستان في كركوك، وان رفع هذا العلم سيزيد من اواصر الأخوة بين مكوّنات كركوك"!

 

والواقع انه عند النظر الى الموضوع في اطار دستور جمهورية العراق، يظهر لنا ما يلي :

كما هو معلوم فانه وبعد احتلال الولايات المتحدة الامريكية ودول التحالف للعراق في عام 2003، اعلن عن صدور "قانون ادارة الدولة العراقية للفترة الانتقالية". وقد الغى هذا القانون بصدور الدستور العراقي الذي اعتبر نافذا بتاريخ 20 مايس من عام 2005، وبموجب المادة 143 منه. غير ان نفس تلك المادة استثنت الفقرة (أ) من المادة 53 والمادة 58 من هذا الالغاء، مما يجعلهما جزءا من احكام الدستور النافذ.

وقد رسمت الفقرة (أ) المشار اليها حدود اقليم كردستان بالقول انه " يعترف بحكومة اقليم كردستان بصفتها الحكومة الرسمية للاراضي التي كانت تدار من قبل الحكومة المذكورة في 19 آذار 2003 الواقعة في محافظات دهوك واربيل والسليمانية وكركوك وديالي ونينوى". وبذلك اضحت جميع مناطق محافظة كركوك (مركز قضاء كركوك، والتون كوبري، ودبس، وتازة خورماتو، وداقوق، والحويجة، وجميع القرى التركمانية التابعة لمركز كركوك) خارج نطاق التعريف الوارد في الفقرة (أ) اعلاه، واستمرت تلك المناطق على كونها مرتبطة بالحكومة المركزية في العاصمة بغداد.

ووصفت المادة 58 المشار اليها وكذلك الفقرة (ثانيا) من المادة 140 من الدستور العراقي محافظة كركوك ومناطق اخرى لم يتم تحديد ماهيتها بانها "مناطق متنازع عليها"، وقررت المادة 58 تاجيل التسوية النهائية لهذه المناطق (لحين اجراء احصاء سكاني عادل وشفاف) ، بينما نصت الفقرة (ثانيا) من المادة 140 المذكورة على تاجيل البت في مصير "المناطق المتنازع عليها" لحين اجراء (التطبيع) و(الاحصاء) فيها واجراء (استفتاء) لتحديد ارادة مواطنيها. واكدت المادة بشكل قاطع على وجوب انهاء هذه المراحل الثلاثة في مدة اقصاها الحادي والثلاثون من شهر كانون الاول لسنة 2007.والظاهر ان ايا من تلك الاجراءات المشار اليها (التطبيع – الاحصاء – الاستفتاء) التي اعتبرتها المادة شرطا للتسوية النهائية، لم تتحقق رغم مرور اكثر من تسعة اعوام على التاريخ النهائي المحدد دستوريا لإنجازها، مما يجعل النص الدستوري المذكور – حتى في حالة افتراض بقاء حكمه -  فاقدا لأثره القانوني وغير قابل للتطبيق، وبالتالي فان تلك "المناطق المتنازع عليها" وبما فيها "كركوك" هي خارج منطقة الاقليم الكردي وخاضعة للحكومة المركزية في العراق.

ويظهر مما سبق بيانه ان محاولة السيد محافظ كركوك فرض الامر الواقع في المدينة مخالف مخالفة صريحة وواضحة لنص وروح الدستور العراقي. وهذا الأمر بالذات هو الذي جعل الجهات المبينة اعلاه تصف مثل هذه الخطوة بانها خاطئة وخطرة ومجانبة للحقيقة والواقع.

 

وبتاريخ 28 مارس عقد مجلس محافظة كركوك اجتماعا حضره الاعضاء الأكراد في المجلس. وكان اعضاء المجلس من التركمان والعرب قد اعلنوا مقاطعتهم لأية جلسة للمجلس يتم درج موضوع رفع العلم الكردي في جدول اعمالها. وصدر القرار وفقا لطلب المحافظ وبموافقة 25 عضوا من بين 26 عضوا يشكلون الاعضاء الكرد في المجلس. وقد احدث القرار رد فعل عنيف في داخل العراق وخارجه.

فقد اصدرت وزارة الخارجية التركية فور صدور قرار مجلس محافظة كركوك بيانا اعربت فيه عن قلقها لصدور هذا القرار، واوضحت ان هذا القرار الذي صدر بغياب الاعضاء التركمان والعرب في المجلس يتعلق بالوضع الدستوري لكركوكوالذي ينص على كونها محافظة متنازع عليها، وان القرار لذلك قرار احادي الجانب يخالف احكام الدستور العراقي، وشددت على ان الاصرار على مثل هذه القرارات المتخذة من جانب واحد سيضر بالوئام والحوار بين الاطراف، وان هذه التصرفات ستؤثر بشكل سلبي على جهود احلال الامن والاستقرار الدائمين في العراق.

وأدلى وزير الخارجية التركي مولود جاووش اوغلو بتصريح في اليوم الثاني من صدور القرار اوضح فيه ان تركيا لا تؤيد اصدار مثل هذا القرار وانها تراه قرارا خاطئا.

وانتقد رئيس الجمهورية التركية السابق، عبد الله كُل، تصويت مجلس محافظة كركوك العراقية لصالح رفع علم الإقليم الكردي بجانب العلم العراقي، بغياب المكونين التركماني والعربي، في مجموعة تغريدات نشرها  على حسابه في "تويتر" تعليقاً على القرار الكردي قائلا : " ان رفع علم الإقليم الكردي بجانب علم العراق في كركوك يهدد الوحدة الوطنية والتضامن الموجود بين التركمان والأكراد والعرب، وانه يجب إعادة النظر في هذا القرار احادي الطرف والمنافي للدستور العراقي، ويجب على كل المكونات العراقية التحرك وفق الدستور، وان هذا الامر يحمل أهمية كبيرة من ناحية استقرار العراق والمنطقة ".

فيما تطرق كبير مستشاري رئيس الجمهورية التركية يالجين طوبجي في كلمة القاها في ندوة علمية اقيمت بمناسبة الاحتفال بالذكرى السنوية لوفاة العلامة التركماني المحامي عطا ترزي باشي، الى ازمة رفع العلم الكردي فوق ابنية الدوائر الرسمية بكركوك قائلا : " ان قرار محافظ كركوك قرار سئ الحظ، وفي غير وقته، ولا يستند على اساس قانوني. وهو قرار سيلحق ضربة قاصمة بحياة ومستقبل وأمن وحرية ورفاه وسلام الكرد والتركمان والعرب القاطنين بكركوك.

 

 وصرّح النواب التركمان انهم سيعترضون على القرار امام المحكمة الاتحادية، فيما دعا بعض اعضاء مجلس النواب الى عقد اجتماع للمجلس واصدار قرار يتضمن الغاء قرار مجلس محافظة كركوك.

والواقع ان محافظة كركوك هي وفقا للدستور العراقي " هي من المحافظات غير المنتظمة في اقليم وتنطبق عليها احكام الفصل الثاني من  الباب الخامس من الدستور التي تتكلم عن سلطات الاقاليم. ولذا فان قرارات الحكومة المركزية تكون نافذة بحقها فيما يتعلق برفع اي علم غير علم جمهورية العراق فوق مبانيها، لأن هذا الموضوع هو من المواضيع السيادية التي تختص بها الحكومة المركزية وحدها. وقد اعطى قانون مجالس المحافظات غير المنتظمة في اقليم الصادر في عام 2008 والمعدل في عام 2010 الحق للبرلمان في الاعتراض على قرارات مجالس المحافظات، ونصت المادة المعنية من ذلك القانون على ان للبرلمان حق الغاء القرار موضوع الاعتراض في حال اصرار المجلس على قراره، بل ان ذلك القانون اعطى للبرلمان حق اصدار قرار بحل مجلس المحافظة في الاحوال المذكورة، وبالاغلبية البسيطة لأعضاء البرلمان.

وفي حالة اتخاذ الخطوات المبينة في اعلاه، فان الانظار ستكون موجّهة نحو القرار الذي ستصدره المحكمة الاتحادية او الذي سيصدره البرلمان العراقي في هذا الموضوع الشائك.