تقدير موقف

الإصلاح والتنويع الاقتصادي في خليج “ما بعد الأزمتين”: الفرص والتحديات

بعد عام من جائحة الكورنا، وثلاثة أعوام سبقته من الخصومة والقطيعة، استهلت دول الخليج عامها الجديد بمصالحة تاريخية كان عنوانها الأبرز "الاقتصاد الخليجي" والأمل بعودة الظروف الى طبيعتها بعد أزمتين استثنائيتين. حيث أعلن الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي الدكتور نايف الحجرف، في الخامس من يناير/كانون الثاني 2021، توقيع قادة دول الخليج البيان الختامي لقمة العلا. وشددت مخرجات القمة على مجموعة من البنود على رأسها تعزیز ودعم العمل الخليجي المشترك، والاسهام في إعادة التعافي الاقتصادي في الخليج، واستعادة النمو وتحقیق أهداف التنمیة المستدامة في المنطقة.

طوال أربعة عقود من الزمن، ظل تفاعل صانعي السياسات مع المسألة الاقتصادية الخليجية المشتركة بشكل عام، ومع قضايا الإصلاح والتنويع الاقتصادي على المستوى الفردي والجماعي للدول الخليجية بشكل خاص، قائما الى حد كبير، على مبدأ ردّ الفعل عند حدوث أزمات كبرى تهدد أمن الطاقة في المنطقة والطلب عليها. وعليه، ظلت النتائج العملية في هذا المجال دون المستوى المطلوب لتفادي السيناريوهات القاتمة الذي ترسمها المؤسسات المالية الكبرى وخبراء الطاقة والاقتصاد كل فترة، والتي كان آخرها تقرير صندوق النقد الدولي  في فبراير/شباط العام الماضي (2020) والذي دقّ من خلاله ناقوس الخطر مما يمكن أن يؤول إليه مستقبل موارد واقتصادات الخليج في غضون عقد ونصف من الزمن إن لم تباشر تلك الدول بتنفيذ إصلاحات اقتصادية أكثر عمقا.

واليوم، يعكس الحضور القوي للهاجس الاقتصادي في القمة الواحدة والأربعين لمجلس التعاون نهجا خليجيا جديدا ومختلفا على ما يبدو، وتوافق حول ضرورة توحيد الجهود في التعامل مع التحديات المتزايدة التي تواجه حاضر ومستقبل اقتصادات المنطقة الخليجية واستدامتها المالية، والتي لم تعد تقتصر فقط على التغيرات الجوهرية في قطاع الهيدروكربون وانعكاس ذلك على أسعار الطاقة، وإنما باتت ترتبط أيضا بتحديات إقليمية ودولية ناجمة عن أزمة العلاقات الخليجية البينية وتداعياتها الاقتصادية على المنطقة من جهة، والتحولات التي يشهدها العالم على عدد من الأصعدة ولا سيما الاقتصادية والصحية من جهة أخرى، كسرعة انتشار الأمراض والأوبئة وتأثيراتها الكبيرة على الاقتصادات الضعيفة في بنيتها، واحتمال عودة مشهد أزمة كورونا بأشكال مختلفة في المستقبل.

تحاول هذه المقالة مقاربة المسألة الاقتصادية الخليجية من جذورها. فتبدأ بخلفية سريعة حول النموذج الاقتصادي السائد في دول الخليج، ويستعرض تداعيات كل من جائحة كورونا وانهيار أسعار النفط على اقتصادات تلك الدول وكيفية استجابتها لتلك الأزمة "المزدوجة"، ثم يخوص في مسار الإصلاح والتنويع الاقتصادي وما حققته المنطقة عمليا على ذلك الصعيد خلال أربعة عقود من الزمن، وما لم تستطع تحقيقه، ويختم بالفرص والتحديات التي تواجه دول المنطقة في فترة ما بعد الأزمتين (أزمة كورونا والأزمة الخليجية) وما تحتاجه عملية التحول الاقتصادي الناجحة في الخليج.