التركمان وزيارة البابا للعراق

أجرى البابا فرنسيس زيارة تاريخية إلى العراق بدأت في 5 مارس/ آذار 2021. وشملت هذه الزيارة 5 محافظات عراقية هي بغداد والنجف وذي قار والموصل وأربيل. وأدّت طبيعة ونتائج هذه الزيارة التي انتهت في أربيل في 7 مارس/ آذار 2021 إلى نقاشات هامة في العراق. ولن يكون من الخطأ القول، إن زيارة البابا التي وصفت بالمهمة من أجل إحلال السلم الاجتماعي في العراق، لاقت ترحيباً من جزء كبير من الشعب الذي اعتبرها زيارة إيجابية ومهمة للغاية. وقد قوبلت الزيارة ببهجة وفرح كبيرين من قبل الأكراد والمسيحيين مثلما قوبلت من جزء مهم من المجتمع العربي الشيعي. جدير بالذكر، أن جزءاً كبيراً من المجتمع السني وصف زيارة البابا بأنها تطور يبعث على الأمل فيما يتعلق بحل المشاكل السياسية والمتعلقة بالأمن في البلاد. هذه الزيارة كانت هامة بشأن حماية وجود الأقليات في العراق. كما كانت هامة فيما يتعلق بضمان الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية المتساوية للطوائف الأخرى. التركمان أيضا تطلعوا إلى الزيارة بشكل إيجابي من أجل نيل حقوقهم الدستورية والقانونية في العراق.

بالنسبة لتركمان العراق، تبرز زيارة البابا فرنسيس من عدة جوانب. فبرغم أنه ليس معروفا كثيراً، إلا أن هناك عدداً (ولو قليل) من الوجود المسيحي بين تركمان العراق، حتى أن التركمان يستخدمون مصطلح "مسيحيو القلعة" لوصفهم. إن سياسة الدولة والتهديد الإرهابي في مناطق التركمان، لاسيما في كركوك، أدت إلى هجرة المسيحيين بمن فيهم التركمان المسيحيون. زيارة البابا تعتبر مهمة من ناحيتين بالنسبة لقلعة كركوك ومسيحيي القلعة التركمان الذين عاشوا سابقاً في كركوك، وهما: أولا، يمكن للزيارة أن تفتح الأبواب لتوفير الاستقرار والأمن من أجل عودة التركمان المسيحيين الذين فروا سابقاً من النظام الديكتاتوري السابق. أما الثاني، فقد تعزز هذه الزيارة ادعاءات التركمان حول ترميم المواقع الأثرية التاريخية الموجودة حول القلعة ومنازلهم. وهذا ما رأيناه بالفعل، فمع زيارة البابا شهدت العراق نقاشات بين الناس حول ضرورة حماية مدينة أور القديمة والآثار التاريخية في العراق باعتبارها تراثا وثروة إنسانية مشتركة. من ناحية أخرى، فإن موضوع إيلاء الحكومة العراقية أهمية للمعالم التاريخية وفتحها للسياحة، كان أحد الأمور التي برزت وسط الرأي العام مع زيارة البابا. وفي هذا السياق، وبالنظر إلى أن قبر النبي دانيال يقع في قلعة كركوك، فإن من السهل أن نفهم أهمية كركوك من الناحية الدينية والتاريخية والثقافية. لهذا السبب، يمكن القول إن زيارة البابا للعراق عززت تأثير دعوات رئيس الجبهة التركمانية بالعراق وعضو البرلمان العراقي أرشد الصالحي التي أطلقها في 2 مارس/ آذار 2021 بشأن ترميم المعالم الأثرية التاريخية في كركوك.

إن بروز زيارة البابا فرنسيس للعراق من حيث إرساء السلم الاجتماعي، عزّز جهود التركمان في المطالبة بحقوقهم السياسية والاجتماعية. وفي هذا السياق، ومن أجل تسليط الضوء على ضحايا التركمان في العراق، حجز رئيس الجبهة التركمانية العراقية مقعداً في الصف الأمامي في حفل استقبال البابا فرنسيس في بغداد للسيدة التركمانية التي نجت من تنظيم داعش الإرهابي. هذا الأمر الذي قام به الصالحي، كان بمثابة رسالة ذات مغزى كبير للحكومة العراقية والمجتمع الدولي فيما يتعلق بالكشف عن مصير 1200 شخص تركماني اختطفتهم داعش، لاسيما المختطفين من مدينة تلعفر التركمانية بالموصل وقرية البشير التابعة لكركوك. زيارة البابا التي جرت من أجل منع الانقسام الناجم عن العنف، في المجتمع العراقي، يمكن اعتبارها أيضا فرصة لتركمان العراق للفت انتباه الرأي العام الدولي للأضرار التي تعرضت لها السيدات التركمانيات اللواتي تم إنقاذهن من أيدي داعش، وفرصة للمطالبة بحقوق تلك السيدات.

زيارة البابا فرنسيس لبلدة قره قوش المتنازع عليها في محافظة الموصل، والتي تعتبر ذات أغلبية مسيحية، أظهرت مسألة المناطق المتنازع عليها إلى السطح وجعلت النقاش حولها أمر لا مفر منه. وتعتبر زيارة البابا هذه تطورا مهما من حيث التعايش والسلم الاجتماعي بالنسبة لمجتمعات المناطق المتنازع عليها إدارياً وعسكرياً بين الحكومة العراقية المركزية وحكومة إقليم كردستان. وفي هذا الصدد، ومع زيارة بابا الفاتيكان إلى العراق، دعت بعض الأطراف السياسية إلى تطبيق المادة 140 من الدستور العراقي، التي تتضمن بنداً بشأن تحديد مصير المناطق المتنازع عليها. كما أن هذه الزيارة يمكنها أن تشعل النقاشات لاسيما حول الوضع في بعض الأقضية والنواحي الواقعة داخل حدود محافظة نينوى وتعتبر مناطق متنازع عليها ويسكنها العديد من الأقليات إضافة إلى التركمان والمسيحيين، مثل الحمدانية (قره قوش) وتلكيف وبرطلة وبعشيقة. ولو نظرنا إلى أن هناك نقاشات طرحت سابقاً حول إنشاء إدارة حكم ذاتي للأقليات في هذه المنطقة التي كانت تسمى "سهل نينوى" في فترة من الفترات، فربما تتسبب زيارة البابا في إشعال النقاشات مرة أخرى في هذا الاتجاه.

على الرغم من أن زيارة البابا لها أهمية كبيرة بالنسبة للتركمان الذين يشكلون المكون الرئيسي الثالث في العراق، إلا أن الملصقات التي أعدتها سفارة الفاتيكان في العراق بخصوص الزيارة لم تستخدم اللغة التركية بل اللغات العربية والإنجليزية والكردية والسريانية فقط، وهذا يشير إلى استمرار سياسة الإقصاء التي يتعرض لها التركمان في العراق. وعلى الرغم من أن تركمان العراق عاشوا مع المسيحيين عبر التاريخ جنبا إلى جنب في كركوك والموصل وأربيل ودهوك، فإن إهمال اللغة التركية في الملصقات واللافتات خلال زيارة البابا لم يتوافق مع أهداف هذه الزيارة. كما أن من اللافت للانتباه، عدم دعوة أيدن معروف الوزير التركماني الوحيد في حكومة إقليم كردستان لحضور مراسم استقبال البابا في أربيل. يمكن تحقيق سلام دائم في البلاد من خلال ضمان حقوق وتمثيل جميع المجتمعات. وخلاف ذلك، قد يتعمق الانقسام في البلاد.

إن ضعف تمثيل المكون التركماني في الحكومة المركزية، الذي يؤمن بوحدة العراق ويظهر دائما الإرادة الجادة في هذا الاتجاه، أدى إلى إضعاف تمثيله أيضا في مراسم الاستقبال والوداع للبابا. من المعروف أن الرئاسة العراقية هي السلطة الرمزية التي تمثل وحدة البلاد وفق نظام الحكومة العراقية. وفي حال كان منصب أحد نواب الرئيس من المكون التركماني فهذا سينعكس على التمثيل الاجتماعي لهم. مثل هذه الخطوة ستكون مهمة من حيث إظهار أن تركمان العراق هم جزء من الشعب العراقي وفيما يتعلق بإنهاء سياسة التهميش التقليدية ضد التركمان. وإضافة إلى ذلك، فإن التمثيل الفعّال وبالشكل الذي يجب أن يكون عليه للتركمان في مؤسسات الدولة، سيظهر للعالم الخارجي أن العراق بلد بالفعل يحتضن جميع الطوائف ويبذل جهودا حثيثة في هذا الاتجاه. في الحقيقة، بناء السياسة في العراق على أسس شيعية وسنية وكردية، يعتبر استبعادا وتهميشا للتركمان والأقليات الأخرى التي تمثل ثروة مهمة للغاية في التاريخ العريق للعراق. السياسي التركماني العراقي عمار كهية، وصف تجاهل التركمان خلال مراسم الاستقبال والوداع للبابا بأنه تصرف مخالف للدستور العراقي وقيم حقوق الإنسان. وعلى الرغم من هذا الوضع، إلّا أن المجتمع التركماني الذي لا يبحث عن خيار سوى العيش معا بسلام في العراق، وصف الزيارة بأنها تطور مهم لإحلال السلام في العراق. وفي تعليقه على الزيارة، قال رئيس الجبهة التركمانية أرشد الصالحي إن الزيارة هامة من حيث تعديل الأوضاع في العراق وحماية وجود المكونات في البلاد والحصول على حقوقهم.

وبالنتيجة، كانت زيارة البابا فرنسيس هامة فيما يتعلق بتقريب وجهات النظر للطوائف المختلفة في العراق، وإظهار أن العراق يبذل جهودا من أجل إغلاق صفحة العنف والإرهاب. وفي هذا الإطار، فإن إعلان رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي 6 آذار/ مارس يوما وطنيا للتسامح والتعايش، كان حدثا هاما جدا من ناحية توفير السلام في هذه المناطق واتخاذ خطوات من شأنها التسبب في التفرقة. لكن عدم استخدام اللغة التركية في الملصقات المعدة لاستقبال البابا فرنسيس في نطاق هذه الزيارة، ربما توصف بأنها خطوة لا تتناسب مع أهمية الزيارة بالنسبة للتركمان المكوّن الرئيسي الثالث في العراق. التركمان من جانبهم أعلنوا ترحيبهم بشكل إيجابي بهذه الزيارة، من أجل عدم السماح لأولئك الذين يحاولون إظهار أن الزيارة كانت فقط لهم، ومن أجل إحلال السلام بين جميع الطوائف العراقية. بالإضافة إلى ذلك، يمكن القول إن تركمان العراق الذين يؤيدون السلام، ينتظرون بهذه الزيارة، اتخاذ خطوات تدعم عودة وأمن المسيحيين الذين غادروا كركوك وغيرها من المناطق المتنازع عليها.