امكانيات التطبيع بين سوريا وإسرائيل -توافق المصالح والأهداف بين روسيا والإمارات في سوريا

كان الاتحاد السوفيتي (السابق) أول دولة اعترفت بإسرائيل ككيان بتاريخ 17 أيار/ مايو 1948، ودعمته بكل ما يمكن، لكي يتم إنشاء أكبر دولة تجمع يهود الاتحاد السوفيتي في كيان واحد، وروسيا الإتحادية حالياً هي وريثة الاتحاد السوفيتي في الساحة الدولية، وهي مستمرة بالتعامل مع هذه القضية وفق ذات النهج الذي كان معتمداً في الحقبة السوفييتية، ولكن ليس بنفس القدر من الاحترافية، حيث وقعت روسيا في الكثير من الأخطاء في هذا الملف، بسبب عدم امتلاك روسيا للقدرات والامكانات التي كان يتمتع بها الاتحاد السوفيتي.

 تفرض روسيا على النظام السوري تنفيذ سياساتها مقابل دعمها له، والنظام السوري يدرك جيداً بأنه بدون الدعم الروسي لن يستطيع البقاء طويلاً، بسبب الانهيار الاقتصادي الذي تعاني منه سوريا.

التطبيع الإماراتي- الإسرائيلي فرض على الشرق الأوسط، وبخاصة على الدول العربية، قيوداً والتزامات جديدة تجاه القوى الدولية والإقليمية، التي باتت تتقاسم النفوذ والهيمنة على العديد من الدول العربية، وتفرض سياساتها عليها بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، وبدون الالتزام بهذه القواعد الجديدة، ستكون الدول غير الملتزمة أمام تهديد فرض عقوبات اقتصادية عليها.

روسيا من أقوى حلفاء إسرائيل، بسبب التأثير الكبير للوبي اليهودي في السياسة الروسية الخارجية والداخلية. ففي الملف السوري، روسيا ترى بأن الوجود الإيراني في سوريا، ووصول الاسلاميين إلى السلطة في هذا البلد، خطران كبيران على مستقبل الشرق الأوسط وعلى إسرائيل، ولذلك تسمح روسيا لإسرائيل بقصف مناطق تواجد المليشيات الإيرانية في سوريا بدون أي عائق، كما تحاول روسيا جاهدةً الضغط على النظام السوري لكي يبتعد عن إيران، لأن التعاون الإيراني- السوري يهدد مستقبل الاستثمارات الروسية في سوريا.

مع أن روسيا تتعاون مع إيران في سوريا، فهي أيضاً تتعاون مع إسرائيل، وهي لا تريد خسارة أحدهما، فهي ترى في إسرائيل الحليف الأمثل في الشرق الأوسط، وفي إيران دولة تستطيع الاستفادة من مواردها، كون ليس لدى إيران حليف آخر سوى روسيا .

طلب وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف من بشار الأسد أثناء زيارته الأخيرة لدمشق التضحية بوجود المستشارين الإيرانيين وحلفائهم في سوريا، مقابل قيام روسيا بتمكين عودة سلطة النظام إلى مناطق شرق سوريا، بالتفاهم بين النظام السوري والقوى الكردية السورية برعاية روسية، هذه الخطوة ستضمن لموسكو انسحاباً تدريجياً هادئاً للقوات التركية من الشمال السوري، واسترجاع هذه المناطق، شرط أن يعمل الأسد وفق الشروط الروسية وأن يوقع اتفاقية سلام مع إسرائيل.

مفاوضات السلام مع إسرائيل في سنة 2000 لم تنجح بسبب تخلي بشار الأسد عنها بسبب خوفه من فقدان العلاقات مع الدول العربية الأخرى، ولكن الآن الوضع تغير حيث نرى منافسة بين دول الخليج العربي لتطبيع العلاقات وتوقيع معاهدات سلام مع إسرائيل.

وزير خارجية النظام السوري وليد المعلّم وفي حديث أجراه مع أحد الصحفيين في شهر تشرين الأول/ أكتوبر عام 2007 صرح بأنه إذا انكشفت محادثات السّلام مع إسرائيل، فإن علاقات دمشق مع أصدقائها ستتضرّر بصورة جسيمة قد يتعذّر بعدها تقويمها. لهذا السبب تريد سوريا أن تضمن أوّلاً نتيجة ناجحة للمفاوضات. وأضاف المعلّم أنّ من خيارات سوريا الإستراتيجيّة منذ زمن طويل السّلام مع إسرائيل، وأصدقاء سوريا في المنطقة يعون ذلك جيداً.

كانت هنالك عدة محاولات سابقة لتوقيع معاهدة سلام بين سوريا وإسرائيل، لم يكتب لها النجاح لأسباب مختلفة.

مساعي السلام مع إسرائيل خلال عقد 1990
عُقِدَت الجولة الأولى من المفاوضات العامة رفيعة المستوى التي كانت تهدف إلى تسوية دائمة للصراع بين إسرائيل وسوريا أثناء مؤتمر مدريد 1991 للسلام المتعدد الأطراف، وبعد ذلك المؤتمر، وطوال عقد التسعينات تفاوضت عدة حكومات إسرائيلية مع الرئيس السوري السابق حافظ الأسد، وتم أحراز تقدم ملحوظ، إلا أنها باءت بالفشل في النهاية.

توقفت مباحثات السلام بين سوريا وإسرائيل في مفاوضات شيبرزتاون عام 2000 بسبب رفض سوريا احتفاظ إسرائيل بالضفة الشرقية لبحيرة طبرية، ثم دخلت المفاوضات بينهما في مرحلة من التجميد مع أحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 2001، وما أفرزته من تغيرات في طبيعة العلاقات الدولية، انعكس بشكل مباشر على المشهد السياسي الإقليمي مع الغزو والاحتلال الأمريكي للعراق في 2003.

وجدت إسرائيل في السياسة الأميركية الجديدة والمواقف الأيديولوجية لليمين الجديد الحاكم في واشنطن بعد مجيء إدارة بوش الأبن في مطلع 2001، فرصة تاريخية للهروب من استحقاقات السلام مع الفلسطينيين أولاً، تحت ذريعة ضرورة تطبيق الفلسطينيين البند الأول من خطة خارطة الطريق، ومع السوريين ثانياً تحت ذريعة موت وديعة رابين، مع ما يعنيه ذلك من عودة المفاوضات إلى نقطة الصفر، ووديعة رابين وهي تعهد قدمه رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق اسحق رابين في حزيران 1994 لوزير الخارجية الأميركي آنذاك وارن كريستوفر تتضمن موافقته على الانسحاب من الأراضي السورية التي احتلتها اسرائيل في حرب حزيران، 1967 مقابل علاقات ثنائية ودبلوماسية كاملة وضمانات أمنية لإسرائيل..

رفضت سوريا في البداية الشروط الإسرائيلية، لكن تحت ضغط الوقائع السياسية الجديدة في العراق بعد الغزو والاحتلال الأمريكي، أعلنت سوريا في منتصف 2003 رغبتها في استئناف العملية السلمية مع إسرائيل، موقف فُسِرَ أميركياً وإسرائيلياً بأنه تعبير عن حالة ضعف تعتري النظام في سوريا، أو محاولة للتملص من الضغوط الأميركية الكبيرة على دمشق من أجل تغيير سياستها الإقليمية.

في نهاية العام 2003 جدد بشار الأسد دعوته للسلام عبر صحيفة نيويورك تايمز، حين أعلن لأول مرة أن سوريا لم تطرح شروطاً مسبقة لاستئناف المفاوضات مع إسرائيل، ما فُسِرَ إسرائيلياً بأن دمشق قبلت بالعودة إلى المفاوضات من نقطة الصفر، وأنها في حالة ضعف، لكن الأولوية كانت لا تزال آنذاك للمشروع الإسرائيلي في فلسطين وللمشروع الأميركي في العراق، ولا مجال لفتح باب التفاوض مع سوريا التي كانت تطالب بتقديم بعض التنازلات.

وفي يناير/كانون الثاني 2004، ونتيجة الدعوات السلمية السورية المتكررة، وكي لا تظهر أمام المجتمع الدولي كأنها تقف في الضفة الأخرى من السلام، أعلن أرييل شارون أن إسرائيل مستعدة للتفاوض مع سوريا إذا أوقفت مساعدتها لما سماه المنظمات الإرهابية في لبنان وفلسطين، إعلان تكرر بعده مباشرة دعوة علنية من الرئيس الإسرائيلي السابق موشيه كاتساف للرئيس الأسد لزيارة القدس والدخول في مفاوضات جادة مع إسرائيل تنتهي بتحقيق السلام، شرط أن تكون مفاوضات من دون شروط مسبقة.

رفضت سوريا دعوة كاتساف من حيث المبدأ، فهي غير واردة في القاموس "العروبي السوري"، ورفضت الشرط الإسرائيلي المتمثل بوقف دعم "المقاومة" الفلسطينية واللبنانية.

ولكن الوضع تغير بعد بداية الربيع العربي سنة 2011، حيث خسر النظام السوري مكانته وخسرت ما تسمي نفسها بالمقاومة الممثلة بحزب الله والجماعات الفلسطينية الأخرى مكانتها في الشرق الأوسط، وبسبب الدعم الروسي للنظام السوري الذي قد يفرض عليه واقعاً جديداً وهو التخلي عن إيران، وعن المشروع التي كان يدعمه في الماضي، والتقرب من إسرائيل سياسياً وعسكرياً والتخلص من المليشيات الإيرانية والفلسطينية في سوريا.

النظام السوري لن يستطيع الهروب من المسؤوليات التي فرضها على نفسه، وهذا ليس فقط ما يخص النفقات العسكرية بل أيضاً الخسائر الاقتصادية، وضياع جيلاً كاملاً من السوريين في بلاد الغربة، مما سوف يفرض عليه التنازل عن السياسة التي تبعها لسنوات والاستسلام للأمر الواقع.

روسيا لم تخسر في سوريا كثيراً بل هي تفهم بأنها تستطيع الاستفادة من سوريا مستقبلاً بسبب الاتفاقيات التي تم توقيعها مع الطرف السوري، وهي تخص الاستثمارات الروسية في سوريا، وأعطاء روسيا أراضي سورية تستطيع استعمالها من أجل مصالحها الاقتصادية لسنوات، وأيضاً استعمال سوريا كقاعدة عسكرية في الشرق الأوسط، وكما أن روسيا تبرم هذه الاتفاقيات ليس بمفردها بل بتعاون كامل مع الطرف الإسرائيلي، وإسرائيل تفهم بأن بقاء روسيا في الشرق الأوسط سوف يفيد مصالحها في المستقبل.

لما يتجاهل النظام السوري التطبيع الإسرائيلي- الإماراتي؟
تجاهلت وسائل الإعلام الرسمية في سوريا، التي تعبر عن موقف النظام، نشر أي خبر يتعلق بالخطوة البحرينية- الإماراتية للتطبيع مع إسرائيل، كما لم يصدر أي موقفًا واضحًا من أي مسؤول رسمي سوري حول التطبيع، مع غياب موقف رسمي واضح للنظام السوري حول هذه القضية، يفسر المحلل السياسي حسن النيفي هذا الموقف بعاملين: أولهما عدم قدرة النظام على إطلاق موقف واضح ضد هذه الدول التي يرتبط معها بعلاقات جيدة، في ظل عزلة عربية ودولية، وثانيهما حفاظه على موقف المقاوم والممانع أمام حاضنته الشعبية.

تحاول الإمارات العربية المتحدة ومن خلال استئنافها العلاقات الدبلوماسية مع النظام السوري الضغط عليه لكي يبتعد عن إيران، وهذا الشي يتم عمله بموافقة روسية إسرائيلية.

والنظام السوري يفهم بأن أصدقاءه الذين دعموه في السنوات القليلة الماضية تغيرت سياساتهم ويعانون من أزمة اقتصادية، لذلك فالتطبيع الإسرائيلي الإماراتي يفرض عليه واقع جديد، ولكن هو لا يستطيع التحدث عن هذا الموضوع بشكل علني لكي لا يخسر شركائه.

ونستطيع أن تنذكر محطات في تاريخ العلاقات الإماراتية السورية منذ أحداث 2011:
-أذار/ مارس 2012 الإمارات تقطع علاقتها مع النظام السوري وتغلق سفارتها في دمشق.
- تموز/ يونيو 2014 الإمارات تشارك في التدخل الذي تقود أمريكا في سوريا.
- كانون الثاني/ يناير 2014 حاكم دبي يتوقع أن يفقد بشار الأسد السلطة في النهاية.
- نيسان/ أبريل 2018 الإمارات تقول أن تحقيق الاستقرار في سوريا من خلال عمل عسكري مستحيل.
 - تموز/ يونيو 2018 الإمارات تنتقد قرار تعليق عضوية سوريا في جامعة الدول العربية.
- تشرين الثاني/ نوفمبر 2018 الإمارات تعلن أنها تتفاوض مع سوريا بشأن إعادة فتح سفارتها في دمشق.
- كانون الأول/ ديسمبر 2018 الإمارات تعلن إعادة فتح سفارتها في دمشق بعد أكثر من 6 سنوات من إغلاقها.
- كانون الثاني/ يناير 2019 شركات الطيران الإماراتية (الإمارات، فلاي دبي، الاتحاد) يعلنون عن خططهم لبدء رحلات إلى سوريا.
- كانون الثاني/ يناير 2019 الإمارات تستضيف وفداً تجارياً سورياً في محاولة لاستعادة العلاقات.
- شباط/ فبراير 2019 وزير خارجية الإمارات يعلن دعم بلاده لسوريا فيما يتعلق بالضربات الإسرائيلية.
- كانون الأول/ ديسمبر 2019 القائم بالأعمال للإمارات في دمشق يثنى على القيادة "الحكيمة" لبشار الأسد.
- كانون الأول/ ديسمبر 2019 نائب وزير الخارجية السورية يقول أنه لا يمكن نسيان وقوف الإمارات معنا ضد الإرهاب.
- أذار/مارس 2020 اتصل ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد ببشار الأسد، وقال له بأن سوريا لن تبقى وحدها.

هذا التغير في مواقف الإمارات تجاه النظام السوري، كان بسبب التغير في معادلات السيطرة العسكرية في سوريا في السنوات القليلة الماضية، حيث كان النظام السوري قيد السقوط في عام 2012، وكان من المحتمل أن يسقط، ولكن تغير كل شيء بعد ظهور التنظيمات الإرهابية (كداعش والنصرة) وخسارة المعارضة السورية لأغلب المناطق في سوريا، وعدم وجود بديل لبشار في سوريا يرضي إسرائيل وروسيا.

 التحالف (الإماراتي- الروسي- السوري- الإسرائيلي) لمواجهة الإسلاميين:
هاجم حافظ الأسد في خطابه الشهير عام 1982 جماعة الإخوان المسلمين، وأعتبر أنهم يشوهون معاني الإسلام، هذا الادعاء كان الذريعة والغطاء الذي استخدمه حافظ الأسد لتنفيذ مجزرة حماة 1982، وهو دليل على السياسة العدائية لنظام الأسد (حافظ وأبنه بشار) ضد الإخوان المسلمين، وهي قريبة جداً من السياسة التي تتبعها الإمارات ضد جماعة الاخوان، فالإمارات تستعمل نفس الأسلوب، وروسيا انخرطت أيضاً في حروب كبيرة مع حركات مسلحة إسلامية في منطقة القوقاز، وهي ما زالت تحارب نشاطات تلك الحركات في مناطق مختلفة في روسيا، وترى فيهم تهديداً مباشراً للأمن القومي الروسي ولمستقبل روسيا السياسي.

مثّلت ثورات الربيع العربي أعظم مخاوف محمد بن زايد وبشار الاسد، نظرًا لأن القوى التي تتبنى نهج الفكر السياسي الإسلامي كانوا هم الأبرز صعودًا خلال تلك الانتفاضات، ومن أجل ذلك عملا على إجهاض ثورات الربيع العربي، التي أتت بالتيارات السياسية الاسلامية إلى مواقع القيادة والتأثير، وقاد بن زايد مع السعودية ونظام السيسي في مصر ثورة مضادة، كان أبرز توجهاتها القضاء على التيارات السياسية الإسلامية وملاحقتها.

روسيا، إسرائيل، الإمارات والنظام السوري يرون في تيار الإسلام السياسي تهديد لخططهم المستقبلية لذلك يحاولوا جاهدين منع التنظيمات والأحزاب السياسية الإسلامية من أن يكون لها دور سياسي في الشرق الأوسط، ولكن في نفس الوقت قام النظام السوري باتخاذ بعض الخطوات التي خدمت بعض الإسلاميين حيث ساعدهم منذ بداية الحراك السلمي في سوريا عبر إخراجهم من السجون، حيث أستطاع بعضهم استلام مراكز هامة في بعض الفصائل الإسلامية، بذلك نجح النظام السوري باختراق المعارضة وربط المعارضة العلمانية مع الإسلاميين.

يبدو بأنه سيكون هناك تحالف لبعض الدول العربية مع إسرائيل، وبقاء لبعض الدكتاتوريات في الحكم لوقت معين حتى تحدث تغيرات جديدة في المنطقة العربية.