أهمية طرق المواصلات الرئيسة في الصراع السوري

تلعب طرق المواصلات الدولية دوراً محورياً فيما تشهده سوريا منذ عام 2011م، حتى أن جبهات القتال بين الأطراف المتقاتلة بسوريا كانت تُحدد وفقاً لتلك الطرق، هذه الطرق كانت تدر لسوريا التي تشكل عقدة مواصلات بين دول المنطقة وفقاً لبعض التقديرات 3 مليار دولار سنوياً قبل 2011، حيث كانت تعبر من خلال الأراضي السورية حوالي 150 ألف شاحنة سنوياً.

سيطرت المعارضة السورية على أغلب الطرق الدولية بسوريا، قبل أن يتمكن النظام من استعادة معظمها بدعم إيراني وروسي، أما بالنسبة لتوزع السيطرة على تلك الطرق حالياً والتي من الممكن أن تتغير خارطتها، فالمعارضة مازالت تسيطر على جزء من طريق حلب- اللاذقية M5 من منطقة المنصورة في ريف حلب الغربي، مروراً بسراقب فأريحا ثم جسر الشغور إلى ريف اللاذقية الشمالي، وتقدر المسافة التي تسيطر عليها بنحو 136 كم من هذا الطريق، وتسيطر على الجزء الأكبر منه هيئة تحرير الشام، وهناك عدة نقاط مراقبة تركية قريبة من هذا الطريق.

كذلك تسيطر المعارضة على جزء من طريق حلب- دمشق M4، بدءاً من جنوب غرب حلب حتى معرة النعمان، أما بقية الطريق فقد تمكن النظام من استعادة السيطرة عليه حتى الحدود الأردنية، وهذا الطريق هو الذي يربط بين حلب بدمشق، والسيطرة على هذا الطريق خاصة كان له دور في رسم مسار الحرب، حيث أنه تتركز على طول هذا الطريق الثروة الرئيسة والمناطق الصناعية والبنية التحتية والحضرية. أما بالنسبة لطريق حلب- الحسكة، وهو يدخل الأراضي السورية عند معبر ربيعة مع العراق، ويمر بتل تمر فعين عيسى ومنبج والباب وتادف، وصولاً إلى حلب، وهو طريق استراتيجي يربط المنطقة الشمالية الشرقية من سوريا مع حلب والساحل، وقد وقع النظام اتفاق مع قسد لإقامة حواجز على الطريق، وسيطرت المعارضة على المناطق المطلة على هذا الطريق بين رأس العين وتل أبيض بعد عملية نبع السلام، أما بالنسبة لطريق حلب- دير الزور – الحدود العراقية فقد استعاد النظام السيطرة عليه بشكل شبه كلي.

برز خلال سنوات الحرب إلى جانب المعارك للسيطرة على المدن الإستراتيجية، نوع أخر من المعارك باسم حرب الطرق، وحاول كل طرف من أطراف الصراع السيطرة على تلك الطرق الاستراتيجية، وخاصة أن قيمة تلك الطرق تبلغ ما يقارب 2 ترليون ليرة سورية.

إن استئناف النقل عبر طريق حلب- اللاذقية، وحلب- حماه، كان بنداً رئيسياً في اتفاق سوتشي حول ادلب، وفق النص الحرفي للاتفاق (ستجري استعادة طرق نقل الترانزيت عبر الطريقين إم 4 حلب- اللاذقية، وإم 5 حلب- حماه بحلول نهاية 2018)، وهو قرار من الدول الضامنة لعملية أستانة (روسيا وتركيا وإيران)، وقع عليها مفاوضو النظام والمعارضة في محادثات الجولة السادسة للمفاوضات بتاريخ 14 تشرين الأول 2017م، حتى أن هدف نقاط المراقبة التي تم إنشاءها بأطراف ادلب، والتي تضم 7 نقاط إيرانية، و10 نقاط روسية، و12 نقطة تركية، بالإضافة إلى رصد الخروقات لاتفاق خفض التصعيد، ضمان الحركة التجارية في سوريا، وتأمين أوتوستراد حلب- حماه، وحلب اللاذقية.

 يُعد فتح الطرق الدولية في سوريا رغبة دولية حالياً، وخاصة بعد فتح معبر نصيب مع الأردن، وتنشيط الطريق التجاري مع لبنان، وفتح الطرق والمعابر مع العراق، وهناك رغبة كبيرة بإعادة حركة الترانزيت بين دول المنطقة، بعد ماتسبب إغلاقها بخسائر اقتصادية كبيرة لسوريا ولدول الجوار، انعكس على حركة التجارة الداخلية والخارجية وعبور البضائع والمواد عبر سوريا، خاصة بعد إغلاق المنافذ الحدودية البرية.

لقد استفاد كل أطراف الصراع السوري من السيطرة على الطرق الدولية من حيث التمويل، حيث كانت تفرض ضرائب باهظة وإتاوات على انتقال الأفراد والبضائع، بالإضافة إلى أجور "الترفيق" (أي مرافقة البضائع حتى وصولها)، وكانت الحواجز المنتشرة عليها تدر عائدات مالية ضخمة.

بالنسبة للنظام السوري فإنه يرى أن فتح الطرق الدولية يساهم في تنشيط الحركة الاقتصادية، ويخفف التكاليف في كل من مناطق النظام والمعارضة، ويؤدي لخفض الأسعار والبضائع بسبب سهولة نقلها بين دمشق وحلب وبقية المدن، وتخفيف عناء السفر وتكاليفه على المدنيين الذين يستطيعون الذهاب لمناطق النظام والعودة. كما أن فتح الطرق الدولية يؤدي للاستغناء عن الطرق التي تمر بالبادية "طريق أثريا -خناصر" غير الآمن، والذي يتعرض لهجمات من بقايا تنظيم داعش أحياناً.

من جهة أخرى، ان السيطرة على الطرق الدولية سهلت للنظام نقل المعدات العسكرية، مما ساعده على تحقيق المزيد من المكاسب العسكرية، كذلك ترغب حكومة النظام الانطلاق بعملية إعادة الإعمار من خلال جذب الاستثمارات الأجنبية التي ستتولى إعادة الإعمار، وتنفيذ المشاريع الاستراتيجية، لذلك عدل النظام تصنيف 17 طريق، من طرق محلية إلى طرق مركزية ضمن شبكة الطرق السورية، مما يسمح بعرض هذه الطرق للاستثمار أمام الشركات الأجنبية، وهذا لايتحقق مع إبقاء صفة المحلية عليها، وكذلك أعلنت حكومة النظام رغبتها بتنفيذ طرق برية مأجورة، تفرض الدولة عليها رسوماً، حيث يخطط النظام بمنح هذه الطرق لشركات أجنبية تقوم بإصلاحها، مقابل استثمار تلك الطرق وفرض رسوم عبور عليها لمدة سيتم الاتفاق عليها مع النظام، ثم يعاد تسليمها للدولة فيما بعد، ويريد النظام من خلال ذلك تحقيق هدفين: التخلص من عبء عملية إعادة تأهيل تلك الطرق، والحصول على عائدات مالية ورسوم بعد إتمام تأهيلها.

كذلك فإن تأمين طريق حلب حماة يعني أن الثقل الاستراتيجي لجنوب حلب الذي تسيطر على قسم منه الميلشيات الإيرانية، سيتراجع من الناحية العسكرية والاقتصادية، وفتح الطرق الدولية سيسهل الربط مع العاصمة دمشق، ويحد من سيطرة بعض رجال الأعمال وزعماء الميلشيات المقربون من النظام على تلك الطرق.

أبدت روسيا اهتماماً خاصاً بتلك الطرق الدولية منذ تدخلها العسكري في سوريا، وحاولت ان تكون مسألة الطرق موجودة ضمن أي اتفاقات تجري مع المعارضة أو مع الدول الضامنة، لذلك تريد السيطرة على تلك الطرق سواء بطريقة المصالحات والتهجير القسري، أو من خلال المعارك العسكرية، أو عن طريق المفاوضات مع تركيا وأمريكا في شرق الفرات. ومسألة إعادة تفعيل الطرق مسألة حيوية لروسيا في سوريا، حيث مكنتها سيطرتها على الغوطة الشرقية من تأمين أوتوستراد دمشق- حمص الدولي، ومكنها اتفاق التهجير في ريف حمص الشمالي من تأمين طريق حمص- حماه الدولي، والتوافق مع تركيا على نشر نقاط مراقبة لتأمين طريق حلب- حماه سيكون الخطوة قبل الأخيرة لتأمين الطريق الرئيسي في سوريا، وخاصة في ظل الحديث عن اتفاق روسي تركي لإعادة العمل بطريق حلب- غازي عينتاب الدولي، وهذا يحتاج حل قضية ملف تل رفعت، التي تشكل عقدة مواصلات على هذا الطريق.

كذلك تريد روسيا فتح الطرق للبدء بعملية إعادة الإعمار، وحصر المعارضة في مناطق صغيرة بعيدة عن تلك الطرق على الحدود التركية، للاستفادة من العقود التي تم توقيعها مع النظام السوري، فهي تريد استثمار تلك الطرق، وفرض رسوم عليه، والتحكم بتجارة الترانزيت عبر سوريا، وخاصة أن النظام من المرجح أن يمنح للروس ميزة استثمار تلك الطرق، وتريد أيضاً إظهار عودة أحد مظاهر الحياة الاقتصادية في سوريا، الأمر الذي يساهم في دعم حملة العلاقات العامة التي تديرها موسكو حول دوراً روسياً في البلاد، وتريد ربط دول الجوار بمصالح اقتصادية، وخاصة الأردن الذي ضغط على فصائل الجنوب لإعادة فتح معبر نصيب وعقد مصالحات مع النظام.

حلم روسيا بالهيمنة على سوريا لن يكتمل دون السيطرة على تلك الطرق الدولية، التي تربط سوريا بالدول المجاورة، مما يمنح روسيا قوة اقتصادية وعسكرية وسياسية أكبر في المنطقة، وذلك لن يتحقق إذا استمرت سيطرة المعارضة على هذه الطرق في محافظة ادلب وتعرقل فتح تلك الطرق. فتح الطرق الدولية بالشكل الذي تريده روسيا، من شأنه أن يقسم ادلب إلى قسمين، ودخول الروس لهذه المنطقة يعني سيطرتهم على كل المناطق المحاذية للطريق والواقعة شرقاً منه.

روسيا ترى أن فتح تلك الطرق تسرع عملية البدء بإعادة الإعمار، حيث يمنح ذلك ضمانات للدول الراغبة بالمشاركة بعملية إعادة الإعمار، وهذا ماسيحسن من وضع النظام السوري اقتصادياً، حيث يمر النظام بأزمات اقتصادية وانخفاض قيمة العملة، وتريد روسيا الترويج بأن الوضع السوري عاد بشكل أفضل. كما ان هنالك تنافس بين روسيا والصين وإيران للحصول على عقود استثمارية في تلك الطرق، والسيطرة خاصة على الطرق التي تربط الداخل السوري بالموانئ السورية، حيث تولي إيران اهتماماً بالطرقات السورية، وخاصة أنها وقعت اتفاقات اقتصادية متعلقة بالكهرباء والفوسفات والاتصالات مع النظام، ولارتباط تلك الطرق بالطريق البري الذي تحاول إيران فتحه ويربط إيران بساحل المتوسط ولبنان، وخاصة في ظل الحديث عن رغبة إيران إنشاء مرفأ جديد في سوريا تحت سيطرتها في أقصى جنوب طرطوس قرب الحدود اللبنانية، وكل ذلك في ظل الحديث عن طريق الحرير الجديد التي تريد الصين إعادة تنشيطه، ويريد النظام السوري وروسيا أن يمر هذا الطريق من سوريا لتحقيق فوائد منه، وهذا ماخططت له وزارة النقل السورية بإنشاء طرق جديدة في سوريا لتتماشى مع هذا المشروع، ويخشى النظام السوري من خروج سوريا من خريطة طريق الحرير، بسبب استمرار المعارك وغياب الحل السياسي، والصين لن تنتظر وستعوض ذلك بالمواصلات البرية التركية. لذلك يرغب النظام بتنفيذ بمشروعين: الطريق السريع الأول (شمال-جنوب) ويمتد من الحدود التركية حتى الحدود الأردنية وفق المسار: باب الهوى- حلب- حماه- حمص- دمشق- الأردن بطول حوالي 432 كم، والطريق السريع الثاني (شرق-غرب) يمتد من طرطوس- التنف- الحدود العراقية مروراً بحمص بطول حوالي 351كم.

ان فتح الطرق يحقق مصلحة لتركيا أيضاً في حال السماح للشاحنات التركية العبور إلى دول الخليج، لكن "هيئة تحرير الشام" اشترطت على تركيا لفتح تلك الطرق ان تتوقف عن مطالبتها لها بحل هذا الفصيل المسلح، وعدم دخول فصائل المعارضة المدعومة تركيا في مواجهة عسكرية معها. حيث ترغب تحرير الشام بإبقاء سيطرتها على أجزاء من تلك الطرق بما يضمن لها تمويل، وعلى عكس ما تظهر هيئة تحرير الشام فهي ملتزمة بمخرجات أستانة، وهي تحاول تصوير عكس ذلك في الإعلام، لتكسب قاعدة شعبية.

إن فتح الطرق الدولية يعتبر من المصالح المشتركة بين القوى المحلية والدولية الداعمة سواء كانت روسيا أو تركيا للتجهيز لإعادة الإعمار، وسيطرة روسيا وتركيا على الطريق الدولي سيتسبب بخسائر كبيرة للميلشيات الموالية للنظام ولإيران، التي تسيطر على طريق أثريا -خناصر الصحراوي، كذلك فإن فصائل المعارضة ستتكبد خسائر في حال افتتاح الطريق الدولي، بحيث أن عض الفصائل حققت ثراء من وراء سيطرتها على هذه الطريق، ولأن المعابر في الريف الجنوبي وريف ادلب سيتم إقفالها ونشر الدوريات التركية على الطريق الدولي، وبالتالي لن تتمكن من فرض إتاوات وضرائب على البضائع والشاحنات التجارية والتي تشكل مورد مالي مهم لها.

إن كل المعارك التي تدور على الطرق الدولية هي لرسم الحدود حالياً، فمن يسيطر عليها يسيطر على المناطق المحيطة به، وهو تكتيك روسي منذ 2015م، استمر مع غياب حل نهائي لسوريا، ومن المتوقع أن تشهد الطرق الدولية في المنطقة التي تسيطر عليها المعارضة تصعيد مستمر من قبل روسيا والنظام حتى يصلوا لفتح تلك الطرق.