المواجهة والتوتر بين إيران والولايات المتحدة إلى أين؟

أدرجت الولايات المتحدة الأمريكية الشهر الماضي الحرس الثوري الإيراني على قائمة المنظمات الإرهابية، وهي المرة الأولى التي تدرج فيها الولايات المتحدة مؤسسة أو جيشاً تابعاُ لدولة أخرى على قوائم الإرهاب. وزير الخارجية بومبيو أوضح أن هذه المبادرة جاءت بهدف "ممارسة أقصى أنواع الضغوطات من أجل إجبار إيران على إيقاف دعمها للأنشطة الإرهابية التي تسعى لزعزعة الاستقرار في الشرق الأوسط". وفي مقابل خطة ترامب هذه، يبدو أن اعتراضات وزارة الدفاع الأمريكية باحتمالية حدوث ردود فعل تجاه الجنود الأمريكيين في العراق وسوريا لم تلقَ أي اهتمام. لكن يبدو أن عدم صدور أي ردود أفعال من إيران في السابق عندما أدرجت الولايات المتحدة حركة النجباء التابعة للحرس الثوري على قائمة المنظمات الإرهابية، يمنح القوة لترامب والصقور في إدارته. في الحقيقة الولايات المتحدة لا تتعامل مع الحرس الثوري الإيراني فقط كمؤسسة إرهابية بل تتعامل مع الجمهورية الإيرانية الإسلامية كدولة إرهابية منذ الثورة الإيرانية. لكن إعلان هذا رسمياً يترتب عليه نتائج قانونية وسياسية واقتصادية.

إضافة لكون القرار يتماشى بشكل عام مع الاستراتيجية التي يتبعها ترامب لإحتواء إيران، فإن إعلانه القرار قبل يوم واحد من الانتخابات الإسرائيلية جاء من أجل مساعدة نتنياهو وتقديم الدعم له في الانتخابات، شأنه شأن القرار الأمريكي بالإعتراف بضم هضبة الجولان إلى إسرائيل. لقد قام ترامب بتنفيذ قراراته التي أعلنها حول إيران واحداً تلو الآخر. في البداية قال إنه سيلغي الاتفاق النووي وقد فعل ذلك. ثم قال إنه سيفرض عقوبات على إيران وفعل ما قال. ثم قال إنه سيزيد العقوبات خلال شهر مايو/ أيار وبالفعل ألغى الإعفاءات الممنوحة لبعض الدول بما فيها تركيا. والآن وبدون قتال يضغط على إيران من أجل الاستسلام.

إدراج الولايات المتحدة للحرس الثوري الإيراني على قائمة المنظمات الإرهابية سينجم عنه عواقب وخيمة، هذا القرار سينجم عنه أيضاً حظر على الشركات الأجنبية التي لها تعاملات تجارية مع الحرس الثوري الإيراني، وسيكون نطاق تأثير هذا القرار واسعاً، حيث ان بعض هذه الشركات من الإمارات العربية المتحدة والعراق ولبنان وحتى أوروبا وآسيا، وبسبب أن الشركات الأمريكية لن تتمكن من التعامل مع هذه الشركات التي تم فرض عقوبة عليها، سيتم حظر دخول هذه الشركات أو الأفراد إلى الولايات المتحدة الأمريكية، كما سيتم محاكمة من ينتهكون هذا القرار. وسيتم حظر تواصل الدبلوماسيين والجنود الأمريكيين مع المجموعات التي تتعاون مع الحرس الثوري الإيراني في عدد من الدول مثل لبنان والعراق، وذلك لأن الولايات المتحدة لم تمنح أي استثناءات لأي مؤسسة أو دولة بخصوص هذا القرار (ربما يتم لاحقاً منح استثناء للبعض).

ستتأثر الشركات الأجنبية التي تستثمر وتعمل في إيران بشكل مباشر بهذا القرار، كما ستتأثر معظم الأنشطة والمجالات في إيران، لأن نصف اقتصاد البلاد مرتبط بالحرس الثوري الإيراني. العقوبات الجديدة التي بدأت في مايو/ أيار تعتبر مرسوم إعدام للاقتصاد الإيراني الذي هو أصلًا يعاني من أزمة كبيرة. هذا الوضع ممكن أن يجبر إيران على الاستسلام وقبول اتفاقاً نووياً جديداً، الذي يطلقون عليه الأمريكان اسم "خطة عمل شاملة مشتركة في ظل شروط جديدة". لكن قبول إيران لهذا الاتفاق النووي يعني رفض الذات وتطبيق مرسوم الإعدام على نفسها. بعكس ذلك فإن النظام الإيراني المدمّر اقتصادياً لن يتمكن من الصمود والبقاء.

لا يمكن لإيران أن تستهدف الولايات المتحدة مباشرة، وبدلاً من ذلك ستتخذ خطوات ترفع من معنوياتها ومعنويات مؤيديها. ربما تقوم إيران بتهديد الأمريكان بصيغة "إذا قمتم باستهدافي أكثر من ذلك سنعمل على الإضرار بحلفائكم في الخليج العربي، كما سنقوم بإحداث بلبلة في العراق" أو "سنتحرش بالقوات العسكرية الأمريكية المتواجدة في الخليج". لكن ليس بإمكان إيران أن تقوم بخطوة عسكرية شاملة وأن تلحق الضرر بالولايات المتحدة الأمريكية لأن هذا يعد انتحاراً لإيران. إن من الخطر والمغامرة لإيران أن تختبر أعصاب وصبر ترامب الذي لا يمكن التنبؤ بما سيقوم به والذي يتحرك بتهور في معظم الأحيان. لكن العقوبات الاقتصادية ستسبب الموت البطيء لإيران.

عمليات الحرس الثوري الإيراني وأذرعه في الخارج ستتأثر بشكل كبير من العقوبات الاقتصادية والسياسية. مثال على ذلك هو تأثر حزب الله اللبناني الذي تموله إيران مباشرة ولواء الفاطميون في سوريا إثر العقوبات الاقتصادية بشكل عام، وبالعقوبات المفروضة على الحرس الثوري الإيراني بشكل خاص. ولكن هناك احتمال أن ترد هذه الجماعات التابعة لإيران من خلال استهداف حلفاء الولايات المتحدة الأمريكية أو استهداف المصالح والمواقع الأمريكية مباشرة. على سبيل المثال قد يستهدف حزب الله إسرائيل أو يقوم الحوثيون في اليمن باستهداف المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وهناك مؤشرات لحدوث ذلك.

في هذا السياق قد تقوم إيران بأعمال ضد المملكة العربية السعودية من خلال تشجيع الحوثيين على إطلاق الصواريخ من اليمن تجاه السعودية وتشجيعهم على دخول الأراضي السعودية، ودعم الشيعة في منطقة القطيف من أجل التمرد والتحرك كما فعلوا من قبل. وبنفس الإطار يمكن لإيران أن تشجع الشيعة في البحرين للقيام بأعمال بلبلة. هذا الوضع يساعد في الغالب على الحفاظ على معنويات أنصار إيران عالية بدلاً من تغيير الحسابات على الطاولة. حتى أن مثل هذه التحركات ستقرّب السعودية من الولايات المتحدة وربما تدفع السعودية للإنخراط في هذا الصراع. وحتى دخول المملكة العربية السعودية في صراع مباشر مع إيران -مع أن هذا الاحتمال ضئيل جداً- فإن هذا سيصب في مصلحة الولايات المتحدة. إن دخول السعودية في صراع مسلح مع إيران كما هو الحال في اليمن لن يضر بأمريكا بل ربما تفضله الولايات المتحدة.

ومن جانب آخر ربما تقبل إيران الدخول في مواجهة مع الولايات المتحدة في العراق من خلال وكلائها وذلك للكلفة المنخفضة جدًا لهذه المواجهة. لأن إيران التي إذا تم قطع طريقها في العراق لن تتمكن من الوصول إلى سوريا ولبنان. إيران لا ترغب بقبول هذا الوضع وربما تنقل الحرب إلى العراق. ومن ناحية أخرى إيران تفضل الحرب خارج حدودها، وهذا الخيار سيبقي تأثير الصراع عليها محدوداً. الحشد الشعبي في العراق يتلقى رواتبه وتمويله من الحكومة العراقية، لذلك عمله ضد الولايات المتحدة لن يكلف إيران شيئاً.

خلال الزيارة الأخيرة لرئيس الوزراء العراقي عبد المهدي إلى إيران أمره المرشد الإيراني خامنئي "بإخراج القوات أمريكية من العراق". لكن عبد المهدي لم يتطرق إلى هذه النقطة في تصريحاته. قد يكون السبب في ذلك هو أن الحكومة العراقية لا تريد أن تكون طرفاً في هذا الصراع. لكن عندما يصبح الوضع خطيراً سيضطر العراق إلى أن يصبح طرفاً فيه. أما إذا اضطر السنة والأكراد والأحزاب الشيعية غير الطائفية إلى الوقوف بجانب أحد فسيختارون الجانب الأمريكي. حتى أن مقتدى الصدر المعروف بمناهضته للولايات المتحدة أعلن في تصريحاته الأخيرة أنه لن يكون طرفاً في النزاع الأمريكي الإيراني.

لو أرادت الإدارة الإيرانية في النهاية أن تجلس على طاولة المفاوضات (لكنهم يقولون عكس ذلك) فمن الواضح أن ترامب يرفض مسألة التفاوض. لأن الوقت يسير لصالح ترامب وضد إيران التي تواصل الخسارة باستمرار. ولهذا السبب، إيران التي يتعين عليها القيام بحركات متواصلة قامت ببعض المحاولات. على سبيل المثال سعت إيران لجعل دول الاتحاد الأوروبي تضغط على ترامب من خلال تصريحاتها بأنها ستنسحب من اتفاقية النووي إلّا أن ذلك لم يجدِ نفعاً. ويعتقد بأن الهجوم الذي تم تنفيذه على ناقلات النفط في المياه الإقليمية الإماراتية في وقت لاحق هو محاولة من إيران للضغط على حلفاء الولايات المتحدة. وفي الفترة نفسها قام الحوثيون في اليمن باستخدام طائرات بدون طيّار وتنفيذ هجمات على مرافق النفط بالقرب من العاصمة السعودية، إلّا أن التأثير كان محدودًا.

وخلال هذه الأحداث أعلن جون بولتون المستشار الأمني لترامب أن الولايات المتحدة أرسلت إلى المنطقة سفينة حاملة طائرات علاوة على طائرات حربية. وتم نفي إرسال الولايات المتحدة 120 ألف جندي إلى المنطقة. كما تم نفي الأنباء التي تفيد بأن الولايات المتحدة أجرت لقاءً مع إيران. ويواصل كل من الجانب الإيراني وإدارة ترامب تصريحاتهما بعدم رغبتهما في الحرب أمّا في حال وقوعها فسيلحقان أضرارًا كبيرة بالطرف الآخر. ولكن احتمال تفاقم الوضع ووصوله إلى نزاع مسلح بين الطرفين وإن كان بشكل غير مباشر ليس منعدماً. ويمكن لحادث بسيط أو استفزاز أن يُخرج الأزمة عن السيطرة.

وفي ظل هذه التهديدات طلبت الولايات المتحدة الأسبوع الماضي من موظفيها في العراق المغادرة، باستثناء أولئك الذين لديهم واجبات رسمية مهمة. إن تعرض منطقة قريبة من السفارة الأمريكية التي تقع في المنطقة الخضراء ببغداد إلى إطلاق صواريخ أول أمس هو مؤشر بأن التوتر بين الجانبين سيزداد في العراق. وبعد الهجوم قال ترامب في رسالة نشرها على تويتر: "إذا كانت إيران تريد القتال، فستكون هذه نهايتها. لا تهددوا الولايات المتحدة مرة أخرى أبداً". وذكّر وزير الخارجية جواد ظريف في رسالته على تويتر بأن الغزاة لم يتمكنوا من إخضاع إيران طوال التاريخ. وقال ترامب في تغريدة أخرى إنه لا توجد أي اتصالات مع إيران، ويمكن للإيرانيين أن يتصلوا به إن أرادوا، ولكن الاقتصاد الإيراني ينهار في هذه الفترة".

من المعروف أن ترامب لا يرغب في نزاع مسلح مباشر مع إيران، لكن محيطه من الصقور (خاصة بومبيو وبولتون) يريدون الحرب. وهذا يعني أن الغرض الرئيسي للولايات المتحدة في إيران هو تغيير النظام. خيار الحرب احتمال ضئيل لأنه سيكون مكلفًا بالنسبة للولايات المتحدة أيضاً. في الواقع الولايات المتحدة تسير في طريق تركيع إيران من دون حرب، لأن الاقتصاد الإيراني يزداد سوءاً يوماً بعد يوم ومرور الوقت ليس في صالح إيران. ومن ناحية أخرى، فقد النظام الإيراني دعم الشعب إلى حد كبير، إلّا أن دعم المؤمنين بالثورة أيديولوجياً والمجموعة المرتبطة مصالحها مع النظام ما زال مستمراً. وربما تحاول إيران اتخاذ خطوات تصدم الاقتصاد العالمي (باستخدام النفط) بسبب أن فرص السلام التي بيد النظام الإيراني لم يتم الاستفادة منها.

إن أسوأ سيناريو بشأن الخطوات التي من الممكن أن تتخذها إيران ضد الولايات المتحدة هو إغلاق مضيق هرمز. مضيق هرمز الذي يقع على بعد مرمى القذائف من إيران يحتل مكانة مهمة جداً في التجارة العالمية للنفط والغاز. ولكن هذا النوع من الخطوات هو الأصعب والأكثر خطورة بالنسبة لإيران لأن إغلاق المضيق سيعمل على زعزعة الاقتصاد العالمي. إيران ستستخدم هذه الورقة كحل أخير وهو يعتبر نوعاً من الهجمات الانتحارية. عندما يتم إغلاق مضيق هرمز سترتفع أسعار النفط في جميع أنحاء العالم وستتوجه ردود فعل الدول الأخرى نحو ترامب وإيران في آن واحد. موقف ترامب حتى اليوم يشير إلى أنه لا يعير أي اهتمام لمثل هذا النوع من ردود الأفعال. ولكن قد يضطر ترامب إلى التفكير في مثل هذه الخطوات نظراً لأن الارتفاع المفرط في أسعار النفط سيؤثر سلباً على انتخابات 2020.

التوتر بين إيران والولايات المتحدة سيكون له عواقب وخيمة على تركيا. على سبيل المثال، لن يكون من المنطقي توقع أن تخفض إيران من علاقاتها مع منظمة بي كي كي في هذه الفترة. لأن إيران المتأزمة اقتصادياً ستدعم أنشطة تهريب منظمة بي كي كي على الحدود العراقية. منظمة بي كي كي تنقل المخدرات من إيران إلى العراق وتنقل الكحول وغيره من العراق إلى إيران. هذه التجارة التي تصل إلى أحجام كبيرة لا زالت تحت حماية إيران. المسألة الأخرى الهامة بالنسبة لتركيا هي أن الحرس الثوري الإيراني الذي يواجه حصاراً اقتصادياً سينخفض تأثيره في العراق وسوريا. ولهذا السبب ستكون إيران لديها الرغبة في التعاون أكثر مع تركيا في سوريا. مثال على ذلك رأينا أن الميليشيات الموالية لإيران لم تشارك مع قوات الأسد في هجماته على إدلب. أمّا في العراق فقد تنخفض الضغوطات الإيرانية على الحكومة العراقية والعرب السنة والتركمان جراء انخفاض ​​تأثير جماعات الحشد الشعبي المرتبطة بالحرس الثوري الإيراني.

في النتيجة إيران لا تملك القوة الكبيرة ضد العقوبات الأمريكية. وستواجه الشركات الأجنبية (لاسيما الصينية) الراغبة في التعامل مع إيران المزيد من الصعوبات حيث يتحكم الحرس الثوري بنصف الاقتصاد الإيراني. العقوبات التي تشبه مرسوم الحكم بالإعدام والعقوبات الجديدة التي تم إضافتها في مايو/ أيار 2019 ستؤثر على الأذرع الإيرانية التي تمولها في الخارج مثل حزب الله ولواء الفاطميون والعمليات التي تقوم بها تلك الأذرع. الصراع الأمريكي الإيراني سيكون في الغالب على الساحة العراقية. إيران قد ترغب في الجلوس مع الولايات المتحدة في هذه المرحلة، لكن يكاد أن يكون هذا مستحيلًا إثر عدم رغبة ترامب ذلك، كما أن القبول بالشروط التي وضعتها الولايات المتحدة يعتبر رفض النظام الإيراني لذاته. وفي حالة تصاعد التوتر فلا يمكن للاتحاد الأوروبي أو روسيا أو الصين مقاومة الولايات المتحدة في مسألة إيران.