العلاقات التركية الإفريقية: الديناميكيات، الدوافع، التوقعات

احتلت إفريقيا مكانة مهمة في السياسة الخارجية التركية منذ أن تولى حزب العدالة والتنمية السلطة سنة 2002. بدأت هذه السياسة تجاه إفريقيا رسميًا عام 2003 عندما أعلنت الحكومة التركية عن استراتيجيتها الجديدة تجاه أفريقيا بوثيقة بعنوان "إستراتيجية تطوير العلاقات الاقتصادية مع إفريقيا".

مع استمرار الاهتمام المتزايد بأفريقيا، أعلنت الحكومة عام 2005 على أنه عام إفريقيا. تم تعزيز التعاون المتطور بين تركيا والقارة السمراء بشكل أكبر بعد القمتين الأولى والثانية بين تركيا وأفريقيا اللتين عُقدتا في إسطنبول ومالابو عاصمة غينيا الاستوائية على التوالي، عامي 2008 و2014. واستمرارًا لهذه المبادرات، دعا الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مؤخرًا القادة الأفارقة إلى القمة الثالثة التي عُقدت في إسطنبول بمشاركة 16 رئيس دولة أفريقية وعشرات الوزراء والمسؤولين الممثلين للحكومات الإفريقية.

بالإضافة إلى هذا التعاون المؤسسي المثمر، تحرز العلاقات الثنائية بين تركيا وشركائها الأفارقة أيضًا تقدمًا سريعًا. ويمكن إعطاء الصومال وليبيا والجزائر وإثيوبيا كأمثلة على تعزيز علاقات تركيا الثنائية مع العديد من الدول بهذا الشكل. ترتبط سياسة العلاقات الوثيقة النشطة لتركيا تجاه إفريقيا إلى حد كبير بمفهوم السياسة الخارجية الجديد لأنقرة. على مدى السنوات القليلة الماضية، أدركت القيادة التركية أهمية تنويع الروابط في السياسة الخارجية. ونتيجة لذلك، أقامت أنقرة علاقات وثيقة مع الدول الأفريقية من أجل إقامة شراكات جديدة في المجالات الدبلوماسية والاقتصادية والعسكرية.

من ناحية أخرى، رحبت الدول الأفريقية بجهود تركيا الأخيرة التي بذلتها لزيادة علاقاتها مع القارة. كان نهج أنقرة الفريد تجاه القارة هو الدافع الرئيس للقادة الأفارقة للترحيب بمشاريع تركيا الجديدة في إفريقيا.

أثناء محاولتها تطوير مصالحها، هدفت تركيا أيضًا إلى المساهمة في أهداف التنمية المستدامة للدول الأفريقية. خلق مفهوم الشراكة المتكافئة هذا والنهج المربح لكل الأطراف ديناميكية جديدة للدول الأفريقية التي تضررت تاريخيًا من قبل القوى الاستعمارية مثل فرنسا وإنجلترا. بالإضافة إلى ذلك، دعمت تركيا الدول الأفريقية للتغلب على الإرث المدمر للماضي الاستعماري من خلال تمكينها ليس فقط من حيث القدرات المالية والعسكرية، ولكن أيضًا من حيث القيم الديمقراطية. وهذا يعني أن التعاون مع تركيا هو مكسب لكل من تركيا ودول المنطقة، خاصة في وقت تزدهر فيه الاقتصادات الأفريقية.

لهذا السبب، يتم تأسيس التفاعل في العلاقات في اتجاهين. بينما كانت تركيا تعيد تصميم سياستها تجاه إفريقيا، رحبت دول القارة بشدة بهذه المبادرة الجديدة لتركيا. ينبغي ألا ننسى أن حجم التجارة المتزايد والارتباطات العسكرية في السنوات الأخيرة هي نتيجة للثقة المتبادلة والعلاقة القائمة على أسس متينة بين تركيا والدول الأفريقية. في الوقت الذي كانت تواجه فيه الدول الأفريقية صعوبات في العثور على شركاء عالميين موثوقين، أتاح توفير أنقرة أدوات سياسية واقتصادية وعسكرية مختلفة للجهات الفاعلة الأفريقية لتلبية أهدافها الإنمائية واحتياجاتها الأمنية الفرصة للدول الأفريقية لتلبية هذه الاحتياجات من خلال تطوير التعاون مع تركيا.

البعد الاقتصادي
الاقتصاد هو العنصر الأساس في التعاون التركي الأفريقي. بالرغم من أن البلدان الأفريقية التي تعد الشركاء الرئيسيين لأنقرة في مجال الاقتصاد تقع في منطقة شمال إفريقيا، إلا أن الصادرات والاستثمارات التركية تنتشر بسرعة في جميع أنحاء القارة بأكملها، بما في ذلك غرب وشرق أفريقيا وجنوب الصحراء الكبرى.

أصبحت تركيا بديلاً اقتصاديًا وسياسيًا قويًا عن القوى العالمية التقليدية التي كانت تهيمن على القارة الأفريقية من خلال نهجها المربح لكل الأطراف. حيث اتخذت تركيا خطوات حاسمة وطورت مشاريع مهمة ليس فقط في قطاعات الموارد الطبيعية والمعادن الثمينة، ولكن أيضًا في قطاعات البناء والصناعة والخدمات في جميع أنحاء القارة، بما في ذلك غرب إفريقيا.

بالإضافة إلى ذلك، يزداد حجم التجارة التركية في الجزء الشرقي من القارة بشكل كبير. في هذه المرحلة، أصبحت تركيا منافسًا قويًا للصين والولايات المتحدة، خاصة في دول القرن الأفريقي مثل السودان والصومال وإثيوبيا وكينيا. تبنت تركيا سياسة اقتصادية أكثر شمولاً وتركّز على التنمية، حيث بلغ حجم تجارتها ضمن مشروع "حزام واحد طريق واحد" 500 مليون دولار (6.2 مليار ليرة تركية) و 300 مليون دولار على التوالي، مع السودان والصومال، مقابل السياسات الاقتصادية التوسعية العنيفة التي تتبعها الصين. بالإضافة إلى هذه الدول، اكتسبت علاقات تركيا الاقتصادية مع إثيوبيا، أحد أكبر اقتصادات القارة، زخمًا ووصلت إلى حجم تجارة بلغ مليار دولار سنة 2021.

وعند الأخذ بهذه الأنشطة الاقتصادية المتزايدة، فقد تجاوز حجم تجارة تركيا مع إفريقيا 20 مليار دولار سنة 2021. في هذا السياق، وعند الأخذ بالاعتبار المؤشرات الاقتصادية للسنوات العشر الماضية، يُلاحظ أن حجم التجارة في إفريقيا قد زاد تدريجياً وأن الحصة الأهم مأخوذة من فرنسا. لذلك، واجهت أنشطة تركيا هذه معارضة قوية من قبل بعض الفاعلين التقليديين في القارة، وخاصة فرنسا. تعتبر باريس اهتمام أنقرة المتزايد بهذا الجزء من القارة بديلاً عن نفوذها الاستعماري الفرنسي في المنطقة.

التعاون العسكري
التعاون العسكري هو محور مهم آخر للعلاقات التركية الأفريقية. بسبب عدم الاستقرار السياسي المستمر والتهديدات الأمنية في أجزاء مختلفة من القارة، تلجأ معظم الحكومات الأفريقية إلى الوسائل العسكرية لمعالجة هذه المخاوف. هناك دائمًا فرصة للجهات الفاعلة الجديدة لتشكيل تحالفات عسكرية، حيث لا يوجد سوى عدد محدود من مقدمي الخدمات الذين يستوفون هذه الاحتياجات الأمنية.

يُنظر بشكل متزايد إلى أن تركيا هي أحد الأطراف الفاعلة في هذا الموضوع. وتتراوح هذه الارتباطات بين فتح قاعدة عسكرية في الصومال أو دعم جهة شرعية لمحاربة التهديدات العسكرية مثل تلك الموجودة في ليبيا. بالإضافة إلى هذه الارتباطات المباشرة، هناك نماذج أخرى للتعاون العسكري التركي الأفريقي، مثل توفير الخبرة المهنية للجيوش، وتوفير المعدات العسكرية، وبيع القدرات الدفاعية عالية التقنية مثل الطائرات بدون طيار والصواريخ.

في السنوات الماضية، كانت هناك عدة معلومات غير مؤكدة حول مبيعات الطائرات بدون طيار أو الأنشطة التجارية المحتملة بهذا المعنى بين تركيا وبعض الدول الأفريقية. من المرجح أن تكون هذه التقارير صحيحة عند الأخذ بالاعتبار أن الطائرات بدون طيار التركية أصبحت مؤخرًا رصيدًا استراتيجيًا لصادرات الدفاع التركية. في حين أن الطائرات بدون طيار تركية الصنع قد ساهمت بشكل كبير في ارتباطات تركيا العسكرية في ليبيا وسوريا والعراق، فقد كانت أيضًا تغير قواعد اللعبة في نزاع ناغورنو كاراباخ بين أذربيجان وأرمينيا. كانت الطائرات بدون طيار في الوقت نفسه هي الأداة الأكثر فاعلية للقوات المسلحة التركية في حرب أنقرة ضد المنظمات الإرهابية مثل حزب العمال الكردستاني وفروعه السورية.

في ضوء كل هذا، هناك احتمال كبير أن تطلب بعض الدول الأفريقية من تركيا تزويدها بطائرات بدون طيار. وتجدر الإشارة هنا إلى وجود حاجة متزايدة لمثل هذه القدرات العسكرية في إفريقيا، خاصة بالنسبة للدول التي تتعرض لتهديدات مسلحة، محلية وإقليمية. لذلك، يمكن اعتبار تركيا موردًا طبيعيًا للمعدات الدفاعية، بما في ذلك الطائرات بدون طيار المسلحة، مثل موردي المعدات العسكرية الآخرين، بما في ذلك الولايات المتحدة وفرنسا وروسيا والصين وإيران.

على الرغم من وجود تقارير غير مؤكدة بأن مثل هذه الصادرات تتم من تركيا إلى الدول الأفريقية، إلا أن بعض الانتقادات وجهت أيضًا إلى تركيا في هذا الصدد. يزعم بعض المحللين الدوليين أن الطائرات بدون طيار تركية الصنع تنتهك حقوق الإنسان في بعض ساحات القتال، وبالتالي فإن تركيا مسؤولة عن مثل هذه الأعمال. يجب التأكيد على أن تركيا تصدر الطائرات بدون طيار فقط إذا تم التوصل إلى اتفاق مع الحكومة الشرعية لدولة لديها مخاوف جدية أو مهددة من قبل جماعة مسلحة. لذلك، بعد تسليم هذه المعدات العسكرية، ستكون مسؤولية عواقب استخدام هذه المواد قد تم نقلها إلى الحكومة التي ستستخدم هذه المعدات. لذلك، حتى لو كانت هناك انتهاكات لحقوق الإنسان، فلا يمكن الادعاء بأن تركيا مسؤولة عن مثل هذه الأعمال. بالإضافة إلى ذلك، لا تختلف أبدًا مبيعات الصناعات الدفاعية هذه عن المبيعات التي تقوم بها الولايات المتحدة وروسيا وفرنسا إلى العديد من الدول الأفريقية بشكل منتشر.

في النتيجة، من الواضح أن شراكات تركيا مع العديد من الدول الأفريقية في مجال الدفاع، كما في مثال ليبيا والصومال، تساهم بشكل كبير في استدامة السلام في القارة. يعتبر هذا الوضع بمثابة مرجع إيجابي لدول أفريقيا الأخرى. يساعد هذا العنصر المرجعي أيضًا في تعميق الشراكة بين تركيا والدول الأفريقية.

لقد نُشر هذا مقال الرأي على موقع ديلي صباح (Daily Sabah) يوم 23 ديسمبر/كانون الأول 2021 بعنوان "العلاقات التركية الإفريقية: الديناميكيات، الدوافع، التوقعات".