تقدير موقف

الحرب في اليمن: تداعيات الصراع على مؤشرات التنمية وأوضاع البلد الاقتصادية

ترجع جذور الصراع الدائر حالياً في اليمن إلى عقود طويلة من المظالم والعنف من جراء الفساد المالي والإداري، والانقسامات القبلية والمناطقية والطائفية، التي أدت إلى سيطرة فئات أوليغارشية على موارد هذا البلد. فمنذ أن نشب الصراع على نطاق واسع عام 2011 إبان الانتفاضة على حكم الرئيس السابق علي عبد الله صالح، لم يتمكن اليمن من استعادة الاستقرار وإرساء تحول سياسي متين. وفي أعقاب تلك الأحداث، انعقد مؤتمر الحوار الوطني اليمني في آذار/ مارس 2013  لمعالجة المظالم الاجتماعية والاقتصادية والسياسية المتجذرة في هذا البلد. ولكن في نهاية الأمر، استحوذت مجموعات سياسية ومجتمعية متعارضة فيما بينها على مخرجات ذلك المؤتمر، الذي لم يخلو من أخطاء. كان من بين توصيات ذلك المؤتمر ترسيم ست مناطق متمايزة تدعم قيام نظام اتحادي في اليمن. إلا أن هذه التوصية، التي خلت من بيان كيفية تقاسم الموارد بين المناطق الجديدة، أسفرت عن امتعاض بين صفوف العديد من الجماعات، وأسهمت في الانقسام بدلاً من تحقيق الاستقرار. واستمرت مستويات معيشة اليمنيين في التدهور، مما أجج من مشاعر سخط المواطنين على الحكومة، واندلعت احتجاجات شعبية واسعة في آب/ أغسطس 2014. 

من جهتها في القوات المسلحة اليمنية، فشكلوا تحالف بينهما. سيطرت ميليشيا الحوثيين في تموز/ يوليو 2014 على محافظة عمران، ثم اجتاحت العاصمة صنعاء في أيلول/ سبتمبر 2014، وذلك بتسهيل كبير من القوات موالية للرئيس السابق علي عبد الله صالح (فيما بعد تقاطعت المصالح بين الطرفين فقام الحوثيين بقتل علي عبدالله صالح في 4 كانون الأول/ ديسمبر2017).

تلك الأحداث قادت إلى انهيار مخرجات مؤتمر الحوار الوطني اليمني، وعودة الانقسامات السياسية على طول الخطوط الشطرية القديمة مجدداً، ونشب صراع مسلح شامل في أوائل عام 2015[1]، تسبب في أسوأ كارثة إنسانية على مستوى العالم.

سنحاول من خلال هذه المقالة تسليط الضوء على تداعيات الحرب الدائرة في اليمن ومخاطرها على الاقتصاد اليمني والأوضاع المعيشية لليمنيين ومؤشرات التنمية في هذا البلد.

 أولاً- تداعيات الحرب على مؤشرات التنمية البشرية في اليمن
 قبل تصاعد وتيرة النزاع في عام 2015، كانت التنمية في اليمن متعثرة، فقد كان هذا البلد الذي يبلغ عدد سكانه 30 مليون نسمة، يحتل مراتب متدنية عالمياً في معايير التنمية، حيث كان اليمن في المرتبة 153 في مؤشر التنمية البشرية HDI، و147 في مؤشر متوسط العمر المتوقع، و 172 في مؤشر التعليم، وقد جاء اليمن في فئة البلدان ذات الدخل المتوسط المنخفض حسب تصنيف البنك الدولي. كما تسبب الصراع العنيف والحرب، والنزوح الجماعي، والأزمات المتعددة التي مر بها اليمن على مدى السنوات الأخيرة في تأثيرات مدمرة. ووصفت الأمم المتحدة الوضع الراهن في اليمن بأنه أسوأ كارثة إنسانية في العالم.

1- تداعيات الحرب على مؤشرات التغذية: يعاني اليمن الآن من أسوأ أزمة إنسانية في العالم، إذ أدت أعمال القتال إلى إلحاق أضرار فادحة باقتصاده، وتدمير بنية هذا البلد التحتية، وكذلك إلى انعدام الأمن الغذائي، مما دفع السكان إلى حافة المجاعة. و أشارت تقديرات الأمم المتحدة إلى أن 24.1 مليون شخص أو 80% من سكان اليمن معرضون لخطر المجاعة والمرض، وهناك أكثر من 16.2 مليون يمني يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد (وهي حالة تتراوح ما بين المرحلة الثالثة من تصنيفات الأمن الغذائي والمرحلة التي بعدها). ومن بين هؤلاء، من المرجح أن يكون هناك 11 مليون شخص في أزمة غذائية (المرحلة الثالثة من تصنيفات الأمن الغذائي)، و5 ملايين في حالة الطوارئ الغذائية (المرحلة الرابعة من تصنيفات الأمن الغذائي) ومن المرجح أن يرتفع عدد الأشخاص في الوضع الكارثي (المرحلة الخامسة من تصنيفات الأمن الغذائي) إلى 47000 شخص.[2] وإذا استمر الصراع حتى العام 2030 فمن المتوقع أن يصبح أكثر من 95% من الشعب اليمني الذي سيبلغ حينها (تقديراً) حوالي 37 مليون مصابين بسوء التغذية.[3] أما بحالة توقف هذ الصراع، من المتوقع أن تنخفض نسبة السكان الذين يعانون من سوء التغذية إلى أقل من 12% من السكان (حوالي 4.5 مليون شخص) بحلول عام 2030. والتي كانت 25% عام 2014 (حوالي 6.6 مليون شخص)، و 20% عام 2019.[4]

كما تظل معدلات سوء التغذية بين النساء والأطفال في اليمن من بين أعلى المعدلات على مستوى العالم، حيث تحتاج 1.2 مليون امرأة حامل أو مرضع و2.3 مليون طفل دون الخامسة إلى العلاج من سوء التغذية الحاد، ومن بين هؤلاء الأطفال يتعرض حوالي 400 ألف طفل لخطر الوفاة بحالة إذا لم يحصلوا على العلاج.[5] وان استمرت الحرب حتى عام 2030 يتوقع أن يزداد سوء تغذية الأطفال لتصل إلى 79.5% (4.4 مليون). أما في احتمالية توقف الصراع سينخفض عدد الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية إلى 25% (1.1 مليون) بحلول عام 2030. والتي كانت  42% من السكان دون سن الخامسة في عام 2014 (حوالي 1.7 مليون طفل)، و37% (حوالي 1.6 مليون طفل) في عام 2019.[6]