رئيس الوزراء العراقي الجديد محمد علاوي وتشكيل حكومته: المسير في حقل الألغام

جاء تكليف محمد علاوي بمنصب رئيس مجلس الوزراء من رئيس الجمهورية برهم صالح بعد مرور أربعة شهور من الاحتجاجات غير المسبوقة في العراق، وبعد مرور شهرين على استقالة حكومة عادل عبد المهدي. محمد علاوي حاصل على شهادة الهندسة المعمارية، وهو وزير سابق، وعضو مجلس نواب سابق أيضاً، وهو ابن عم رئيس الوزراء العراقي الأسبق إياد علاوي، وبالرغم من أن محمد علاوي شارك في جميع الانتخابات السابقة من خلال القوائم الانتخابية التي يتزعمها إياد علاوي، إلا أن ميول محمد علاوي السياسية تنتمي إلى النهج الإسلامي المعتدل، بخلاف قريبه إياد علاوي الذي يتبنى النهج الليبرالي، وأصبح محمد علاوي عضواً في مجلس النواب في كانون الثاني 2005، ثم وزيراً للاتصالات في حكومة نوري المالكي الأولى منذ منتصف 2006 لغاية نهاية 2007، ثم عاد لعضوية مجلس النواب في عام 2008، وبعد انتخابات 2010 أصبح محمد علاوي عضواً في مجلس النواب، وفي نهاية 2010 تم تعيينه وزيراً للاتصالات في حكومة نوري المالكي الثانية، ثم قام محمد علاوي في نهاية 2012 بتقديم استقالته من منصب وزير الاتصالات، بسبب خلافاته مع رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي.

     جاء اختيار محمد علاوي لمنصب رئيس الوزراء، كحل وسط ومحاولة لتنفيس الاختناق السياسي الذي تسببت به الاحتجاجات، فبعد استقالة رئيس الوزراء السابق عادل عبد المهدي في 29 تشرين الثاني 2019، كانت هنالك ثلاث رؤى حول كيفية اختيار رئيس الوزراء البديل:

- الرؤية الأولى: تبنتها جميع ساحات الاحتجاجات، ومعهم العديد من القوى المجتمعية، وبعض القوى السياسية، والتي تفيد بضرورة اختيار شخصية مستقلة من خارج القوى المشاركة في العملية السياسية الحالية، ولم يسبق لها العمل في أي منصب سياسي أو حكومي بعد 2003، على أن تمتاز هذه الشخصية بالنزاهة والوطنية والكفاءة، وعدم الارتباط بأي جهة خارجية (خاصة إيران).

- الرؤية الثانية: تبنتها القوى السياسية- المسلحة المدعومة من إيران، وهي قوى رافضة للاحتجاجات وتشكك بها، وتعدها مؤامرة مدبرة يجب عدم الخضوع لها ولجميع مطالبها، هذه القوى ترى بأن اختيار رئيس الوزراء البديل يجب أن يخضع لإرادتها ومعاييرها، والقوى الرافضة للاحتجاجات ترى نفسها صاحبة الحق في اختيار رئيس الوزراء البديل، بوصفها القوى الفائزة في الانتخابات البرلمانية الأخيرة من جهة، ومن جهة أخرى فإن هذه القوى ما زالت تجد نفسها الطرف الأقوى سياسياً وعسكرياً في الساحة العراقية.

- الرؤية الثالثة: تبنتها بعض الشخصيات والقوى السياسية، التي تحاول مسك العصا من المنتصف، وإيجاد رئيس وزراء بديل يحوز على نسبة (مقبولة) من رضا المحتجين، وفي الوقت نفسه يحوز على نسبة (مقبولة) من اشتراطات ومعايير القوى الرافضة للاحتجاجات، وبخاصة أن الخطب والتوصيات الأخيرة للمرجع الديني الأعلى في النجف "علي السيستاني"، نصت على وجوب أن يكون رئيس الوزراء الجديد شخصية (غير جدلية) بالنسبة للشارع العراقي.

يبدو أن محمد توفيق علاوي حاز على أعلى نسبة من الشروط والمواصفات الصعبة والمعقدة من بين كل الأسماء التي تم تداولها في أروقة صناع القرار في العراق لشغل منصب رئيس الوزراء الجديد في العراق، فبالنسبة للمحتجين لم يحز محمد علاوي على جميع شروطهم، وأعلن العديد من المحتجين رفضهم لتوليه منصب رئيس الوزراء، ولكنه في الوقت نفسه سياسي نزيه (نسبياً)، لم يرتبط اسمه بقضايا فساد كبيرة، وهو غير منتمي (تنظيمياً) لأي حزب أو جهة سياسية، وهو خارج العملية السياسية في العراق منذ 2012، كما أن طروحاته وأفكاره حول كيفية معالجة الأوضاع المتردية في العراق، التي نشرها خلال سنوات اعتزاله العملية السياسية، توحي بأنه يمتلك رؤية وكفاءة (نسبية)، كما أنه كان من بين الأسماء الكثيرة التي رشحتها (بعض) مجاميع المحتجين في وقت (معين) خلال الاحتجاجات لتولي منصب رئيس الوزراء.

أما بالنسبة للأطراف الرافضة للاحتجاجات، فإن محمد علاوي لا ينتمي (تنظيمياً) لأي حزب أو جهة سياسية تمثلها، ولكنه في الوقت نفسه ينتمي (فكرياً) إلى مدرسة الإسلام السياسي، التي تنتمي لها جميع القوى والأحزاب السياسية المناهضة للاحتجاجات. كما أن محمد علاوي لا يصنف بوصفه قريب من إيران، ولكنه في الوقت نفسه لا يمكن تصنيفه كخصم لإيران. ووفق هذه المعطيات تم التوافق بين أكبر كتلتين برلمانيتين على ترشيح محمد علاوي لمنصب رئيس الوزراء، وهما كتلة "سائرون" التي يتزعمها مقتدى الصدر وكتلة "الفتح" التي يتزعمها هادي العامري. وبعد إعلان تكليف محمد علاوي بالمنصب مباشرة، ازداد ضغط القوات الأمنية والفصائل المسلحة على ساحات الاحتجاج من أجل تضييق مساحتها، وإسكات الأصوات الرافضة لتكليفه، وتهيئة الأرضية المناسبة لتمرير تشكيل الحكومة الجديدة، ومحاولة وضع المحتجين أمام خيار واحد، وهو القبول بتكليف محمد علاوي.

لن يكون تكليف محمد علاوي بمنصب رئيس الوزراء نهاية للأزمات والمشاكل السياسية في العراق، فمجرد تكليفه بالمنصب وشروعه بتشكيل حكومته الجديدة، برزت للواجهة عدة معضلات، حيث أن المحتجين والمرجعية الدينية في النجف -وحتى محمد علاوي- يطالبون بتشكيل حكومة من الكفاءات التكنوقراط المستقلين، بعيداً عن تقاسم الوزارات طبقاً لنظام المحاصصة الحزبية والطائفية المتبعة منذ 2003، بينما القوى السياسية منقسمة حول هذه القضية إلى ثلاث جهات، الأولى تقبل بالتخلي عن نظام المحاصصة وفسح المجال أمام المستقلين التكنوقراط، وهذه الجهة ترى بأن إتباع نظام المحاصصة في تشكيل الحكومة الجديدة سوف يعيد الأوضاع إلى المربع الأول، ولن تهدأ الاحتجاجات، بل قد تتطور الاحتجاجات إلى مستويات أكثر خطورةً. أما الجهة الثانية فلا تقبل -حتى الآن- بالتخلي عن نظام المحاصصة، وتطالب بحصة من الوزارات بحسب استحقاقاتها الحزبية أو الطائفية. والجهة الثالثة من القوى السياسية ترى بأنه إما أن "نتخلى جميعاً عن نظام المحاصصة، أو نطبقها جميعاً".

أما المعضلة الثانية التي برزت أمام محمد علاوي، تتعلق بمهمة حكومته المقبلة، حيث أن المحتجين والمرجعية الدينية في النجف، يطالبون بأن تكون المهمة الرئيسة لحكومة محمد علاوي، هي التهيئة لانتخابات مبكرة، تكون حرة ونزيهة، بينما جزء كبير من القوى السياسية، يحاولون عرقلة هذا المطلب، بحجة أن الانتخابات المبكرة تحتاج إلى وقت وتحضيرات لوجستية غير متيسرة في الوقت الحاضر، وأنه من الأفضل أن تستمر هذه الحكومة بعملها، لحين حلول موعد الانتخابات القادمة في عام 2022.

ليس واضحاً لحد الآن المسار الذي ستتخذه عملية تشكيل الحكومة الجديدة، فمحمد علاوي من جهته هدد بتقديم اعتذاره عن تشكيل الحكومة، بحالة إذا تم إجباره على تطبيق نظام المحاصصة (حرفياً)، كما أنه وعد بتخصيص بعض الوزارات لشخصيات من ساحات الاحتجاجات، ولكن الجميع يعلم أن محمد علاوي لا يمتلك القوة الكافية لتنفيذ جميع وعوده، والوقوف بوجه ضغوطات القوى السياسية- المسلحة التي تسيطر على مجمل الأوضاع في العراق، لذلك من المتوقع أن تكون الحكومة العراقية المقبلة "تكنو-سياسية"، بمعنى أنها ستضم شخصيات مستقلة تكنوقراط حقيقيين، سيتم تسويقهم على أن مواصفاتهم متطابقة مع شروط المحتجين، وشخصيات يتم تقديمهم على أنهم مستقلين تكنوقراط، وهم في الحقيقة مرتبطين بجهات سياسية، وفي الوقت نفسه سيتم مراعاة تمثيل مكونات الشعب العراقي الطائفية والقومية في هذه الحكومة.

بحسب الضوابط الدستورية يجب على محمد علاوي أن يقدم حكومته للتصويت عليها في مجلس النواب، قبل مرور شهر على تكليفه بمنصب رئيس مجلس الوزراء، أي قبل يوم 3 آذار 2020، وذكر محمد علاوي في تغريدة له في تويتر يوم 15 شباط الحالي، بأنه أكمل تشكيلته الوزارية، وأنه سيطرح هذه التشكيلة للتصويت عليها في مجلس النواب خلال أسبوع، وأنه يأمل أن تنال هذه التشكيلة ثقة البرلمان، وأنه اختار تشكيلته من (المستقلين النزيهين الأكفاء) دون تدخل من أي طرف سياسي.

من جهة أخرى ظهرت مواقف سياسية رافضة للآلية التي اُعتُمِدت في تشكيل حكومة محمد علاوي (المرتقبة)، من أبرزها موقف إياد علاوي زعيم ائتلاف "الوطنية" الذي صرح من أربيل في لقاء تلفزيوني على قناة الحرة-عراق "بأن محمد علاوي استبعد القوى السياسية التقليدية، التي كان لها الفضل في ترسيخ أسس العملية السياسية في العراق بعد 2003، من مشاورات تشكيل هذه الحكومة". كما ذكر إياد علاوي بأن مشاورات تشكيل الحكومة المرتقبة اقتصرت على قوى سياسية محددة (في إشارة من إياد علاوي إلى ائتلافي "الفتح" و "سائرون")، كما أبدى إياد علاوي رفضه لتصريحات المسؤولين الإيرانيين، الذين ذكروا بأنهم متأكدين من أن حكومة محمد علاوي ستنال ثقة البرلمان، في إشارة إلى أن الطرف الإيراني ما زال يتحكم بالشأن الداخلي العراقي. كما أن رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي (من العرب السنة)، أبدى هو الآخر امتعاضه من استبعاد القوى السياسية التي يمثلها الحلبوسي، من مشاورات تشكيل الحكومة المقبلة، وهدد الحلبوسي باحتمال عدم منح الثقة لحكومة محمد علاوي المقبلة، والذهاب لخيار قيام البرلمان بحل نفسه، والتوجه نحو انتخابات مبكرة (فورية). وقد زار الحلبوسي أربيل في الأيام الماضية وأجتمع مع الزعيم الكردي مسعود البارزاني، لتنسيق مواقف العرب السنة والكرد من حكومة محمد علاوي.

أما الطرف السياسي الكردي فقد حدد موقفه من التصويت على حكومة محمد علاوي، بأنه سيمنح الثقة لحكومة محمد علاوي بشروط، أهمها ضمان تمثيل المكون الكردي في الحكومة المقبلة، سواء كان هذا التمثيل الكردي من الشخصيات الكردية الحزبية، أو من الشخصيات الكردية المستقلة. صرحت ألاء طالباني العضو في مجلس النواب العراقي عن حزب الإتحاد الوطني الكردستاني بأن  "محمد علاوي  رفض تسلم أسماء مرشحة لتشكيلته الوزارية من الكتل  الكردية، ولكنه في الوقت نفسه تسلم أسماء مرشحين من الكتل الأخرى". كما أن بشير الحداد نائب رئيس البرلمان العراقي والعضو في الحزب الديمقراطي الكردستاني قد صرح بأن"عدم مراعاة حقوق المكونات في التشكيلة الوزارية المقبلة سيؤثر سلباً على النسيج الوطني العراقي". في نفس السياق، صرحت إخلاص الدليمي عضو مجلس النواب العراقي عن الحزب الديمقراطي الكردستاني بأن حزبها يرفض فرض محمد علاوي لأسماء وزارات عن حصة الكرد. فضلاً عن وجود مجموعة من النواب الكرد في البرلمان العراقي من أحزاب (التغيير، الجيل الجديد، الجماعة الإسلامية، الإتحاد الإسلامي)، يطلق عليهم حالياً (مجموعة النواب الكرد الـ15)، هؤلاء لا يمتثلون لتوجهات واتفاقات الحزبين الكرديين الرئيسيين (الديمقراطي الكردستاني، الإتحاد الوطني الكردستاني)، هؤلاء النواب الـ15 قرروا عدم منح الثقة لحكومة محمد علاوي، بحالة إذا شعروا بأن تشكيلة محمد علاوي قد خضعت للمحاصصة الحزبية التقليدية.

 في ظل هذه المواقف سيتحدد مصير حكومة محمد علاوي المرتقبة، بقدرة الطرفين الراعين لتشكيل الحكومة المرتقبة (الفتح وسائرون)، على تحشيد الأصوات اللازمة في البرلمان العراقي لمنح الثقة لحكومة محمد علاوي (نصف عدد أعضاء البرلمان+1).