تحليل

التركمان ما بعد داعش ووضع المناطق التركمانية

اضحت منظمة داعش الموضوع الرئيسي في جدول الاعمال الدولي بعد استيلائها على الموصل في شهر حزيران/ يونيو لعام 2014 . وقد نفّذت داعش التي تعدّى تأثيرها حدود العراق خلال مدة قصيرة، عمليات ارهابية على المستوى الدولي، بحيث ظهرت كنعصر تهديد جديد. واضافة الى ذلك، فقد بدأ داعش بشنّ حرب على النظامين القائمين في كل من العراق وسوريا وسيطر على مساحات من اراضي هاتين الدولتين. وفيما غيّر هذا الوضع التوازنات القائمة في العراق وسوريا، فانه فسح المجال ايضا لإحداث خسائر وتغييرات قد تكون دائمية على تنظيمات الدول والبنيان الاجتماعي لها والتغييرات الديموغرافية والجغرافية فيها، وذلك بسبب سيطرة منظمة ارهابية على اراض وبسطها نوعا من التحكم الاداري في تلك المناطق.

وقد أثّرت هذه الخسائر والتغييرات بشكل عميق على التركمان في العراق بصورة خاصة. ذلك ان كون التركمان يقطنون الغالبية العظمى من المناطق التي سيطرت عليها هذه المنظمة الارهابية، جعل التركمان يتعرّضون في هذه الوتيرة الجديدة بشكل مباشر الى مشاكل اجتماعية وسياسية واقتصادية وديموغرافية وعسكرية. وازاء هذا الوضع الجديد، وفيما اضحى التركمان يتعرضون الى مجازر جماعية بشكل منظّم ومبرمج، فقد اضطروا في نفس الوقت وبسبب داعش الى هجرات اضطرارية من مناطقهم. وبسبب هذا التهجير القسري، اضحى التركمان الذين هم القومية الرئيسية في المناطق التي يعيشون فيها، اقلية في المناطق التي هاجروا اليها. يضاف الى ذلك حصول انهيار كبير في معظم مناطق سكنى التركمان بسبب القتال الناشب في تلك المناطق التي سيطر داعش عليها، وتعرّض التركمان الى هجمات بالاسلحة الكيمياوية، ولم يعد بالامكان حتى العودة الى البعض من مناطقهم. وبذا يصح القول بان المناطق التركمانية عاشت تغييرا شاملا في النواحي الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والجغرافية وفي هيكليتها الادارية.

وبالاضافة الى وقوع التركمان تحت التاثير المباشر لداعش، فقد تضرروا ايضا بسبب تاثير داعش على سائر المجاميع. وذلك يعني ان التركمان الذين وجدوا انفسهم داخل حرب متعددة الاطراف، قد وقعوا تحت تاثير الصراع الطائفي والتجاذبات الحاصلة بين بغداد واربيل ايضا. وكذلك كانت احدى نتائج محاولة المجاميع الكردية كسب اراضي جديدة بعد هزيمة داعش، وقوف التركمان وجها لوجه مع الاكراد في مناطق عديدة اخرى ومنها منطقة طوزخورماتو.

ان الدراسة التي هي تحت متناولكم الآن، تلقي الضوء على وضع التركمان بعد هزيمة داعش، فيما تتناول بالاضافة الى ذلك المناطق التركمانية واحدة فواحدة لتوضح كيفية تاثّر تلك المناطق في وتيرة تزايد قوة وتاثير داعش بسبب التطورات الحاصلة في المنطقة. ان هذا التقرير الذي يستند على معطيات تم الحصول عليها بنتيجة دراسة ميدانية، مضافا اليها المعطيات المتحصلة من المصادر الاصلية، يشكل بهذا الاعتبار مصدرا في بابه.