تقارير حول الأنشطة

قراءة أولية للانتخابات النيابية في العراق

د. منقذ داغر: نتائج الانتخابات كانت مفاجئة كبيرة من ناحية الأرقام ونوعية الفائزين
نستطيع ان نوصف الانتخابات بانها كانت عراقية بامتياز، شعبوية بامتياز وعاطفية بامتياز. نعرف ان أحد أهم العوامل في أية انتخابات هي نسبة المشاركة، وكان من المتوقع أن تكون نسبة المشاركة ما بين 25 الى 30% ، لغاية يوم 29 سبتمبر وهو اليوم الذي دعا فيها السيد السيستاني العراقيين إلى المشاركة بكثافة في التصويت، وهذا كان واحد من العوامل التي غيرت مصير الانتخابات، رغم انها لم تغيره كثيراً. العامل الثاني الذي غير في نسبة المشاركة، هي الطريقة التي اعتمدتها مفوضية الانتخابات في احتساب نسبة المشاركة، وهو عامل وهمي لأن طريقة الاحتساب كانت غير منطقية، حيث قامت المفوضية باحتساب نسبة المشاركة في التصويت على أساس من حصلوا على بطاقة الانتخاب البايومترية المحدثة وهؤلاء هم بحدود اقل من 20 مليون ناخب قياساً الى عدد الناخبين المؤهلين في العراق الذين يصلون بحدود 25 مليون تقريبا، إذن 5 مليون ناخب عراقي كانوا خارج المشاركة في هذه الانتخابات، وهذا أثر كثيراً في نتائج الانتخابات. قواعد اللعبة لهذه الانتخابات تغيرت هذه المرة. كانت أضلع اللعبة الانتخابية في السابق محصورة بين مفوضية الانتخابات والأحزاب والسلاح والمال السياسي والى حد ما مرجعية النجف. ولكن في هذه الانتخابات وجدنا هنالك عوامل جديدة تؤثر لأول مرة في مسار الانتخابات، مثل الحكومة التي كانت مؤثرة جداً هذه المرة، عكس الانتخابات السابقة، نقول أن الحكومة كانت مؤثرة في هذه الانتخابات بمعنى انها استطاعت في هذه الانتخابات أن تحد من نسبة الخروقات لصالح أمن ونزاهة هذه الانتخابات، حيث لم تشهد هذه الانتخابات خروقات كبيرة أو على الاقل خروقات ممنهجة كما كان يجري في السابق، والعملية الفنية في يوم التصويت سارت بشكل طبيعي جداً وبسلاسة، وهذا يعني انه كان هنالك تعاون بين الحكومة ومفوضية الانتخابات في هذا الموضوع، الأمن أيضاً كان منضبط جداً في داخل المراكز الانتخابية. لأول مرة تحدث في العراق خلال 24 ساعة تعلن مفوضية الانتخابات عن نتائج أولية. كانت هناك عيون تراقب هذه الانتخابات هذه المرة بشكل افضل، وهذا كان على الاقل موجود داخل المفوضية وداخل المراكز الانتخابية.

العامل الآخر الذي أثر في هذه الانتخابات أيضا هي المرجعية الدينية العليا في النجف، المرجعية ألقت بثقلها بشكل كبير هذه المرة، رغم انها حاولت ان تبدو متحفظه في التدخل في الشأن الانتخابي، حاولت المرجعية أن تعطي زخماً للانتخابات حتى تجنب العراق من الانزلاق نحو الفوضى. حيث أننا لاحظنا هنالك حدثين مهمين حدثا خلال هذه الفترة، الأول هي البيان الذي أصدرته المرجعية بخصوص الانتخابات، والثاني الاعلان عن تشكيل "حشد العتبات المقدسة" قبل الانتخابات بأيام خلال مراسيم الزيارة الأربعينية إلى كربلاء، وأتى هذا الإعلان في وقت ومكان ذو رمزية مهمة. وأعطى هذا الاعلان رسالة واضحة عن المزاج العام بخصوص قضية حمل السلاح خارج إطار الدولة. ان تشجيع المرجعية لاتباعها على الذهاب والتصويت زاد من حضوض قائمتين في الساحة الشيعية، الفريق الأول هو قائمة دولة القانون والفريق الثاني قائمة التيار الصدري. القفزة الكبيرة وغير المتوقعة في نتائج التيار الصدري ودولة القانون، في دوائر وسط وجنوب العراق الانتخابية، كان ورائها توجيهات المرجعية. لأن ببساطة المتدينين في الشارع الجنوبي في العراق فقط هم يمتثلون لتوجيهات المرجعية، وهؤلاء عندما يذهبوا للتصويت يفضلون أن يصوتوا لأحزاب وقوائم دينية شيعية، في هذه الانتخابات عندنا نوعين من الأحزاب والقوائم الدينية الشيعية:

 1) أحزاب وقوائم تعود مرجعيتها الى ايران.

 2) أحزاب وقوائم مرجعيتها عراقية شيعية مثل التيار صدري ودولة القانون.

لذلك فضل الناخبون المتدينون التصويت للنوع الثاني.

وأهم عامل في هذه الانتخابات هو احتجاجات تشرين، حيث أظهرت النتائج لنا ان من قاطع المشاركة في هذه الانتخابات فقد فرصة تاريخية للتاثير في رسم الخارطة السياسية العراقية، أو إعادة رسم الخارطة السياسية العراقية وفقاً لتوجهات احتجاجات تشرين ومطالبها. المستقلون والتشرينيون حصلوا على أكثر من 20 مقعد الى حد الان. وحصلوا على تلك المقاعد في المدن التي تعد من معاقل القوى السياسية الدينية، حيث تمكنوا من انتزاع مقاعد مهمة في الناصرية، بابل، النجف، كربلاء وفي الديوانية.

أهم ما في هذه النتائج، انها اثبتت للناخب العراقي انه بامكانه أن يؤثر في العملية الانتخابية وفي العملية السياسية، وتمت استعادة الثقة في العملية السياسية وفي صندوق الانتخابات، والتي كانت مفقودة (ولا زالت) عند المواطن العراقي. كما انها بينت قدرة قوى تشرين والمستقلين على اختراق العملية السياسية واختراق معاقل القوى السياسية الدينية، وهذا أعطى أملاً كبيراً لقوى احتجاجات تشرين، كما أوضحت هذه النتائج أيضاً سقوط كثير من الصقور في العملية السياسية.

سعد الراوي: المشكلة في كل دورة انتخابية هو القانون الانتخابي
منذ طرح مسودة قانون الانتخابات للتصويت أنا كان لدي عدة اعتراضات عليها. المشكلة في كل دورة انتخابية هو القانون الانتخابي، لكن لم يتم ولا مرة اعداد قانون انتخابي ناضج ناتج عن حوارات عراقية معمقة بين الأطياف السياسية العراقية، دائما كان هنالك جهة معينة تحاول توظيف القانون لصالحها. وبصراحة قانون الانتخابات الجديد فيه تغييرات جذرية تختلف عن كل القوانين السابقة، وهي كلها كانت نتيجة مطالب من ثوار تشرين، الذين طالبوا بحل المفوضية العليا للانتخابات والحكومة والبرلمان والقيام باختيار قانون انتخابات منصف وعادل. وانا جلست مع عدد من الناشطين وقلت لهم ما هو نوع القانون الانتخابي العادل برأيكم؟ لكن بعضهم لم يستطع الإجابة، وعندما سألتهم أذا تم حل المفوضية والبرلمان من سيقوم بعمل القانون ولم يجاوبوا على هذا السؤال أيضاً.

في الانتخابات البرلمانية الاولى في 2005 كان العراق كله دائرة انتخابية واحدة وأعتمد نظام القائمة الانتخابية المغلقة، بينما أصبح في الانتخابات البرلمانية الثانية في 2010 هنالك 18 دائرة انتخابية والقائمة شبه مفتوحة تسمح بالتصويت للكتلة أو للمرشح داخل الكتلة، حيث كانت في انتخابات 2010 نسبة التصويت للاحزاب 18% وللأشخاص 82%، وهي كانت تعكس مدى اختيار المواطن العراقي للأحزاب أو للأشخاص. أما هذا القانون الانتخابي الجديد فهو عكس ذلك تماماً ويسمح فقط بالتصويت الفردي للمرشحين.

النقطة الاخرى التي تغيرت في هذا القانو ن الانتخابي الجديد هي طريقة احتساب المقاعد، في الدورة الاولى كان هنالك قاسم انتخابي بتقسيم عدد الأصوات على عدد المرشحين، اما في هذا القانون فليس هنالك قاسم انتخابي، فقط يتم اختيار الفائزين الأوائل في كل دائرة انتخابية. وهنالك نقطة ثانية تغيرت أيضاً في هذا القانون وهي طريقة تقسيم الدوائر الانتخابية وهذه الطريقة الجديدة اختلفت عن الطريقة السابقة، ولكن برأيي الشخصي هذا التغيير هو بعيد عن العرف والقوانين في الدول الأخرى. وكمثال عن ذلك، المادة 15 حول تقسيم الدوائر في قانون الانتخابي الجديد هو نص ضعيف وغير واضح حيث يقول أنه تقسم المحافظة لعدة دوائر انتخابية، ولكنه لم يتطرق إلى معايير واضحة وراسخة لتقسيم تلك الدوائر، هذا النص مبهم وعام جداً ولا يمكن تفسيره بشكل واضح. وبينما يستخدم القانون الانتخابي الجديد في حديثه عن عدد دوائر العراق الانتخابية الرقم 18، فإن الملاحق في القانون تقول أن في العراق يوجد 83 دائرة انتخابية. لذلك فإن القانون غير مفهوم بحاجة إلى مزيد من التفصيل وإلأى تعديل بعض مواده مثل فصول تسجيل الناخبين والمصادقة على المرشحين وتشكيل الدوائر الانتخابية.

من المؤسف أن القوانين المتعلقة بالانتخابات في العراق لا تطبق بكل حذافيرها، لأن في العراق دائما الاتفاقيات السياسية هي أعلى من القانون ومن الدستور، وهذه معضلة كبيرة تواجه الديموقراطية في العراق. لدينا مواد مهمة في قانون الانتخابات الجديد يجب ان نعالجها بتفصيل أكثر، وهي المواد المتعلقة بالأحزاب السياسية الذي يحتوي على فقرات غير مطبقة الآن، حيث تطرقت هذه الفقرات إلى مواضيع مثل إئتلاف الأحزاب واندماجها بشكل بسيط ومبهم وغير واضح. وهو ما يعطي المفوضية الامكانية لاصدار أنظمة جديدة حول تسجيل الكيانات وتسجيل الناخبين والمرشحين وشكاوي الطعون الانتخابية لأن قانون الانتخابات لا يفصلها بالشكل المطلوب. وعندما نذهب للفصل السابع في قانون الانتخابات الجديد نرى أنه لا يجوز استخدام أموال ومؤسسات وسيارات الدولة والأوقاف الدينية في الدعاية الانتخابية، ولكن هذا يحصل في كل انتخابات بدون عقوبات وبدون تحميل المسؤولية لأي طرف. لذلك أنا دائما أقول أنه لا يجب ان تجلس الهيئة التشريعية لوحدها لصياغة القانون، ويجب جمع الشركاء معاً عند صياغة القوانين، السلطات التشريعية والقضائية والتنفيذية والأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني والاكاديميين وحتى وسائل الإعلام. علينا ان نتعلم من الانتخابات السابقة للوصول إلى قانون انتخابات أفضل واكثر وضوحاً وشمولية، من خلال جمع كل شركاء العملية السياسية كما ذكرت، بالإضافة إلى المختصين، للوصول إلى تعزيز نجاحات القانون وشموليته، وتفادي الاخطاء والمشاكل التي تحصل كل دورة انتخابية عندما يتم تغيير القانون. لأن هذا القانون برأي يصلح لمجالس المحافظات لكن لا يصلح للبرلمان وسيكون لدينا مجلس نواب عشائري مناطقي، وليس مجلس نواب يضم كفاءات عراقية في أعلى سلطة تشريعية في البلد.

النقطة الاخرى المهمة هي عن بطاقة الناخب البيومترية وسجل الناخبين، سجل الناخبين هو العمود الأساس لعملية انتخابية نزيهة وشفافة. نحن بدئنا العمل بالبطاقة البيومترية منذ 2014 وحتى الان لم تكتمل، لذلك يجب أن نقول انه هنالك مشكلة يجب أن تحل فوراً ولا يمكن أن نترك المواطن العراقي داخل او خارج العراق بدون تصويت، لذلك على المفوضية اعداد قانون ومواد انتخابية لا تستثني أحد. اليوم لدينا 4 ملايين مواطن حتى الان بدون احتساب اصواتهم وهذا سيزيد نسبة التزوير في الانتخابات الحالية، لان القانون اعتبرهم خارج المعادلة الانتخابية وهو أمر غير مقبول. أيضاً يجب إيجاد حل لمسألة النازحين، المسموح لهم بالتصويت هم 120 الف ناخب فقط، لانه لا بد ان يكون مسجل في وزارة الهجرة والمهجرين ولا بد أن يكون الشخص لديه بطاقة ناخب بيومترية، لكن العديد من النازحين في المخيمات لا يستطيعون الحصول على هذه البطاقة.

بالنسبة للتغييرات في قانون الانتخابات، نحن لدينا قانون انتخابي ودستور يعالج القضايا الانتخابية، لكن قانون الأحزاب والانتخابات والمفوضية بحاجة إلى مراجعة شاملة من جميع الاطياف السياسية والمنظمات والاكاديميين والخبراء. حول الايجابيات والسلبيات، لا يواجد قانون انتخابي شامل 100% وينال موافقة الجميع من سياسيين وناشطي ومتظاهري تشرين. هذا الانتخابات فيها ايجابيات كثيرة، لكنها ستنتج برلمان فيه انقسام كبير، وقد ننتظر 6 شهور أو سنة لتشكيل الحكومة الجديدة. كما يجب الاعتماد على المختصين بشكل اكبر في صياغة وشرح طريقة العمل على قانون الانتخاب، خصوصاً في الجوانب الفنية والتقنية، فأنا كشخص خبير ومختص بالانتخابات، لكنني لا استطيع العمل على تكنولوجيا المعلومات وارسال النتائج عبر الاقمار الصناعية لذلك بحاجة إلى مختصين بكل المجالات.

في النهاية، أن الانتخابات حصلت بدون احصاء سكاني لكل دائرة انتخابية، وهنالك مواطنين ذهبوا للانتخاب لكن تم تحويلهم إلى دوائر اخرى، وهذا خطأ كبير ويحتاج للمراجعة. كل هذه النخب والشخصيات التي لدينا لو تملك مشروع سياسي عراقي وطني فإنها تستطيع إصلاح الأوضاع الحالية من داخل البرلمان ومن خارجه. فعلى ناشطين تشرين أو المستقلين العشرين تأسيس مشروع سياسي اصلاحي بعيد عن ما يسعى اليه الاخرين من الطبقة السياسية القديمة، وسيكونوا ككرة الثلج التي ستكبر وسيحصلون على المزيد من الدعم في الانتخابات القادمة. بينما الاحزاب التقليدية التي فشلت سياسياً قامت بالاعتماد على العشائرية للحصول على الأصوات.

ابتسام العامري
التأثير الأول لاحتجاجات تشرين في هذه الانتخابات هو أن الجماهير العراقية والشعب العراقي أثبتوا انهم ما زالوا مصرين على تغيير الوضع القائم بسبب ما تعرض له المحتجون من تهديد وترويع من أجل وقف هذه الاحتجاجات. فالأمر هذا دفعهم إلى الدعوة إلى مقاطعة هذه الانتخابات كقوى تشرينية واستجاب له بقية فئات الشعب العراقي، لولا الفتوى التي أصدرها السيد السيستاني التي ساعدت على عودة عدد من المصوتين الى صناديق لقاطعوا الانتخابات.

احتجاجات تشرين احدثت تصدعاً في الاحزاب السياسية التقليدية ومؤثرة عليها بشكل كبير ولاحظنا أمس التخبط وحالة القلق على وجوه الأحزاب السياسية خوفاً من نتائج هذه الانتخابات. احتجاجات تشرين دفعت الى تشريع قانون الانتخاب الجديد، هذا القانون قائم على تنظيم جديد يختلف عن التنظيم السابق، وهو يعتمد الدوائر الانتخابية المتعددة وليس نظام القائمة المغلقة الذي تم التلاعب بنتائج بشكل كبير في الفترة الماضية.

من أهم مؤثرات احتجاجات تشرين في الانتخابات الحالية:

- شجاعة المستقلين على ركوب موجة الانتخابات والترشيح في هذه الانتخابات، بعيدا عن الأحزاب السياسية التقليدية التي يرفضها معظم الشعب العراقي.

- ساعدت على اجراء انتخابات قبل موعدها المقرر في العراق، هذه أول مرة تجري انتخابات قبل موعدها المقرر وهذا تأثير دفع الى تقديم موعد الانتخابات. لاحظنا أن القوى السياسية التقليدية استخدمت شعارات يستخدمها حراك تشرين في الترويج لنفسها ولبرامجها الانتخابية، هذه الشعارات كان لها تأثير كبير و مؤثر على معظم الشعب العراقي، خاصة الشباب.

- الانتخابات الحالية جربت شروط إجرائية وتقنية ووضع انتخابي اكثر انفتاحا ساعد مستقلين حقيقيين على الفوز في هذه الانتخابات.

- نزاهة مفوضية الانتخابات والجهاز القضائي المشرف على مفوضية الانتخابات كانت واضحة وأكثر من الانتخابات السابقة، وبدت السلطة القضائية في هذه الانتخابات بانها مستقلة بوضوح، ولم تبدو وكأنها متفقة مع الأحزاب السياسية، مما ساهم في تغيير النظرة إلى واقع العملية السياسية في العراق.

-معظم منصات حراك تشرين شجعت على مقاطعة الانتخابات على اعتبار انه لديها أسباب كثيرة تدعو الى مقاطعة هذه الانتخابات، احد هذه الاسباب واكثرها هي فقدان الثقة بقدرة الانتخابات على إحداث التغيير المطلوب في العراق ،وعدم الثقة في المؤسسات الراعية للعمليات الانتخابية. سبب آخر هو عدم رغبتها بالمشاركة في العملية السياسية الحالية، والسبب الأهم الذي يردده معظم المنتمين لحركة قوى تشرين، بأنهم لم يتمكنوا من ترتيب أوضاعهم وتسويق شخصيات يمكنها المشاركة في الانتخابات، كما أن هذه المدة القصيرة بعد احتجاجات تشرين 2019 التي رأت أنها كانت غير كافية لتتمكن قوى تشرين من تحقيق شروط المشاركة في العمل السياسي، وايضا عدم قدرة قوى تشرين على بلورة مشروع سياسي يجعلها قادرة على منافسة الأحزاب السياسيه التقليدية في العراق.

 لكن اذا رجعنا الى الاسباب الحقيقية لمقاطعة حراك تشرين لهذه الانتخابات، هو عدم قدرتها على تنظيم نفسها ولم تستفيد من زخم احتجاجات تشرين بشكل مبكر من اجل ان تطرح نفسها كقوة سياسية قادر على اجراءات تغيير، ايضا عدم امتلاك قوى تشرين تياراً سياسياً يملك شرعية دولية يستطيع التنافس والتنسيق والتواصل مع الخارج. كما نرى ان بعض قوى تشرين لها رؤية بأن الثورة الشعبية هي الوحيدة القادرة على تغيير العملية السياسية الحالية واقتلاع جذور الفساد والتلاعب الذي يمارسه النظام السياسي الحالي –بحسب رأيها-.

قوى تشرين كانت في الحقيقة ضعيفة ومشاركتها محدودة في هذه الانتخابات، منصات تشرين رفضت المشاركة وقسم منها مثل حركات امتداد وغيرها كانت رؤيتهم ان المشاركة في الانتخابات سوف يعطيهم فرصة حقيقية للتغيير وادخال نواب جدد قادرين على التأثير في قرارات البرلمان. قوى تشرين كانت مشتتة وليست على منهج ورأي واحد، لذلك اختلفوا في الأجندات وتوزعوا بين جهات متعددة. هذا الأمر ساعد الاحزاب السياسية التقليدية على اختراق صفوف قوى تشرين، وضم بعضهم اليها بطريقه ذكية، واستطاعت أن تنجح في ذلك في بعض الدوائر الانتخابية. بعض قوى تشرين قبل الانتخابات بشهر أدركوا خطورة عدم المشاركة في هذه الانتخابات، ولذلك نظموا مؤتمر انتخابي وضم 40 حركة وحزب وتيار سياسي ينتمي لحراك تشرين، سميت هذه الجبهة بجبهة المعارضة. هدفها الأساسي هو خلق جبهة مشتركة ما بين الأحزاب المشاركة بالانتخابات والتنسيقيات والحركات المنبعثة عن احتجاجات تشرين. يمكن لهذا التعاون يشكل ضغط على العملية السياسية في منظومتها الجديدة في الفترة القادمة. أيضا تسعى قوى تشرين حاليا أن تعمل على تأسيس تجمع جماهيري يؤثر في العملية السياسية ما بعد الانتخابات، يعني هدفها التأثير بعد الانتخابات وليس قبل الانتخابات.

لكن قدرة قوى التشرين حتى بعد الانتخابات سوف تكون ضعيفة، لأسباب كثيرة، ليست لديها خبرة في العمل السياسي وتقف أمامها عقبات في تحقيق هدفها، فهي لا تمتلك التمويل اللازم ولا تمتلك الدعم السياسي الكبير. هذا التجمع يعمل حاليا من اجل ان يكون قوة سياسية مؤثرة على مدى أربع سنوات القادمة. هذه العملية الانتخابية لن تحدث تغييرا كبيرا، التغيير سيكون بسيط والتغيير سيكون تقنياً اجرائياً سطحياً ولن يطال مصادر قوة الأحزاب التقليدية. لأن جزء كبير من مصادر قوة هذه الأحزاب انها تنتهج سياسات تقوم على فرض الأمر الواقع، كما أنها لا تخضع للمعايير السياسية والقانونية، بل تفرض حقوق الاحزاب وقادتها فوق القانون والدستور. أيضا هذه الانتخابات لن تكون فرصة حقيقية وكبيرة للتغيير لأن القوة النافذة ستعود وتفرض سيطرتها على المجلس النيابي مرة أخرى، لامتلاكها أدوات السيطرة على نتائج الانتخابات من مال ونفوذ وأيضا لديها الخبرة في العمل السياسي وفي مجال الانتخابات، و لديها قدرة أيضا على جمع الأصوات اللازمة لإيصال مرشحيها الى البرلمان. نتائج هذه الانتخابات لن تغير من الواقع السياسي للبلد لان الاحزاب التقليدية هي من تنظم الانتخابات وتختار اللجان المشرفة عليها.

أعضاء البرلمان الجدد من المستقلين لديهم فرصة للإنضمام الى الأحزاب والقوى التشرينية، وأن يتجمعوا في كتلة برلمانية واحدة تفرض وجودها على المعادلة البرلمانية. ايضا القوى التشرينية التي نجحت في الوصول للبرلمان سوف تتواصل مع قواعدها الشعبية وستنقل خبرتها الى تشكيل تجمع للمعارضة البرلمانية، وهذا الامتزاج يمكن أن ينتج لنا تجمع اكثر خبرة ويشارك في الانتخابات القادمة ويمكن أن يغير من معادلة العملية السياسية في العراق.

أ.د. ستار جبار علاي
من الصعب رؤية أو تخيل المشهد السياسي لما بعد الانتخابات بسبب قانون الانتخابات الموجودة في العراق. في الدورات السابقة، الائتلاف الشيعي كان له حضور مميز، فكان من الصعب جدا تشكيل ائتلافات جديدة مكونة من جميع المكونات الموجودة في السياسة العراقية. ابتداء من عام 2018، لاحظنا بأن هناك انقسام في الشطر الشيعي وكل شطر كان له انقسام وتوجه معين. من الجانب الآخر نرى أيضا بأنه هناك اكتساح سني في المجتمع السياسي، وهذا المجتمع له توجهات ومحددات معينة أيضا.

أما في مسألة تشكيل الحكومة وغياب الأغلبية، النظام السياسي الذي شكل في عام 2003، لا يسمح بالانفراد في تشكيل الحكومة بسبب التوافقية التي تشترط المكونات الدينية والعرقية.

من ناحية المحاصصة السياسية، كل الأطراف السياسية مشتركون في المحاصصة بسبب ان العملية السياسية قامت على أسس المحاصصة من البداية في سنة 2005. فمن الصعب جدا الخروج عن المحاصصة في السياسة العراقية.

تجربة المعارضة السياسية في العراق قد تكون من المستحيلات لسبب تشكل النظام السياسي من "المكوناتية". نحن تعلمنا من الدول الديموقراطية الغربية بأن المعارضة تولد من النتائج السياسية التي تأتي بعد الانتخابات. أما في العراق فنرى بأنه المساومات السياسية تمنع ولادة معارضة حقيقية في العراق. إن الانتخابات لم تغير أي شيء في العراق ولم تغير وجهة نظر الشارع العراقي حول الانتخابات. أنا لا أرى أي تغير في الأفق العراقي. الأفق شبه معدوم.

د. زيد عبدالوهاب الأعظمي: ألإنتخابات العراقية 2021 بدل من أن تكون مصدرة للحل سوف تكون مصدرة للأزمة
ان أغلب المجتمعات التي نراها ناضجة في آرائها وتوجهاتها وفي قراراتها ذلك بسبب نضج مؤسسات النظام السياسي ومنظمات المجتمعات المدني التي تثقف الناس تجاه المصالح الوطنية ومبادئ التعددية والحياة السياسية، لكن هذه الأمر من الصعب أن يكون في الحالة العراقية بسبب حدة الإستقطاب في المشهد السياسي العراقي. أحمل النظام السياسي كامل المسؤولية في وضع الراي العام ان يكون ضحية لمثل هذا الاستقطاب، وجدنا الرأي العام تائه في هذه الانتخابات ما بين المشاركة والمقاطعة، اليوم الجميع دفع ضريبة اخفاق فواعل النظام السياسي والمؤسسات التي أديرت من فواعل النظام السياسي. الذي اوصل البلاد الى حافة الفشل. الاحتقان الذي اوصل الراي العام الى حاله التمزق. هناك منهجية سياسية متعمدة لابقاء رأي العام تائه بهذه الطريقة. من النادر أن تجد الناس في العراق يتفقون على موضوع ما ويجمعهم جامع موحد تجاه قضية ما.

 النظام السياسي في العراق لم يسمح بوجود حياة سياسية حقيقية، هناك فجوة كبيرة ما بين جماعات سياسية والأحزاب والتيارات و المواطنين.

مع الأسف الإعلام كان جزءا من المشكلة  بسبب كثرة الفضائيات، التي أثرت على وحدة الراي العام وعدم قدرة على الاجماع على توجه مصلحي واحد. بما يتعلق في هذه الانتخابات من فاز من المرشحين فاز لانه خدم الناس. كما ان هناك قرابة 20 مقعد لقوى تشرين مع مجموعة من المستقلين الحقيقيين الذين سينضمون الى جانب تشرين. لأجل تأسيس فكرة غائبة عن المشهد السياسي العراقي على النواب التشرينيين أن يجلسوا مع المعارضة. بشكل أو بآخر لو ينتهج تشرين منهجية المعارضة وجلست تعارض ولا تشارك في السلطة مطلقا سيكون هناك تحول في النظام السياسي. إذ ستنجح تجربة تشرين في بناء تفاهمات سياسية جديدة، ربما ان نسبة المشاركة في الانتخابات المقبلة ستكون على الأقل 60%.

بالنسبة لحظوظ الطبقة السياسية الحالية، اليوم انتقلنا من حالة التشظي إلى حالة الإستقطاب الحاد التي قد تنقل المشهد السياسي من محاصصة جمعية إلى محاصصة نخبوية. يوجد مشهدان مقبلان أمامنا الأول المشهد الذي تشمل الجميع للاشتراك في السلطة، أما في المشهد الثاني سوف يكون إعتراض واسع وعنيف، وربما سنرى مجاملات للقضاء على حساب السلطة، فهذا المشهد سوف يجر عراق إلى مستقبل مجهول، لذلك الانتخابات العراقية 2021 بدل من أن تكون مصدرة للحل ربما سوف تكون مصدرة للأزمة.